من الغريب جدا أن يخرج علينا سياسى أو حقوقى أو إعلامى ليدافع عن هشام جنينة وكأنه ضحية كشفه للفساد، ومواجهته للقوى المفسدة فى أجهزة الدولة، بينما العكس صحيح تماما، فالرجل الذى كان رفيق الأخوين مكى فى تيار الاستقلال بنادى القضاة والذى ثبت بعد ذلك اختراقه من قبل الإخوان، هو نفسه الذى عينه مرسى رئيسا للجهاز المركزى للمحاسبات وتركه السيسى فى موقعه احتراما للدستور، وهو نفسه الذى ملأ الدنيا ضجيجا فى وسائل الإعلام أن الرئيس التقاه وفوضه فى كشف الفساد، ثم اكتشفنا البلاوى والفضائح فى الجهاز الذى يديره وفى طريقة إدارته للجهاز نفسه، ولنراجع معا فضيحة وكيل جهاز المحاسبات الذى تم ضبطه متلبسا بالرشوة ثم خرج جنينة ليعلن أنه سيصدر بيانا تفصيليا بعد انتهاء التحقيقات، ونام بعدها على الموضوع.
والأمر نفسه فى جمعية الإسكان التابعة للجهاز، ولا حياة لمن تنادى، ثم جاءت الفضيحة الأخيرة على لسان جنينة نفسه عندما قال إن تكلفة الفساد فى 2015 نحو 600 مليار جنيه، وهو التصريح الذى انتفضت من أجله الدولة وأخذته على محمل الجد، على اعتبار أن رئيس المركزى للمحاسبات لا ينطق إلا عن معلومات وإحصاءات دقيقة، وأنه شريك فى حرب أجهزة الدولة على الفساد، رغم تفوق الرقابة الإدارية عليه فى السنة الأخيرة ونجاحها فى ضبط كثير من قضايا الفساد داخل وخارج جهاز المحاسبات.
احتراما واهتماما من الدولة بما صرح به رئيس جهاز المحاسبات، أصدر الرئيس قرارا بتشكيل لجنة تقصى حقائق على أعلى مستوى من بين أعضائها وكيل أول الجهاز نفسه لاستيضاح بؤر الفساد التى تكلف الدولة 600 مليار جنيه فى عام، بينما ميزانية الدولة بالكامل نحو 900 مليار، وكانت الصدمة الكبرى، أن تصريحات جنينة فشنك وتقاريره مضروبة، ويدمج أرقاما قديمة حتى يبدو رقم الفساد هائلا، ثم يعلن ذلك فى وسائل الإعلام المحلية والأجنبية قبل تقديم التقارير للجهات المعنية، فهل هناك فساد أكبر من ذلك، وهل لدى السيد جنينة إلا سوء النية والتضليل والتلفيق امتثالا لتوجهات شركائه القدامى ومن عينوه فى موقعه.
الكارثة أن يأتى من يتطوع عن جهل أو عن كراهية أو بغباء ما بعده غباء ليدافع عن جنينة من باب المعارضة والسلام، أى حد ضد السلطة حتى لو كان مجرما وقاتلا بدم بارد، فأنا معه، والتبريرات كثيرة والتلاعب بالألفاظ مفيش أسهل منه، والناس مش هتدقق فى التفاصيل، المهم الصوت يبقى عالى والشعارات الحنجورية تطلع من الدرج، فيبقى فى فريقين وفى جدل والراجل المضلل نقول عليه شريف، بدل ما نبحث ونحلل جديا لماذا فعل ما فعل ومنذ متى يرتكب هذا التضليل؟ وما قيمة تقارير الجهاز فى عهده؟ وهل تستحق المراجعة من جديد أم لا؟ كارثة حقيقية وفساد كبير يمكن أن يهز أجهزة الدولة التى اعتمدت على تقارير الجهاز طوال الثلاث سنوات الماضية، واتخذت قرارات بناء عليها، ثم تكتشف أنها قائمة على التلفيق وبدون مصداقية!! من يدافع عن هشام جنينة بعد تقرير لجنة تقصى الحقائق، إما جاهل أو مريض بالكراهية، أو صاحب تار عند السلطة الحالية، بحيث لا يفكر إلا فى الانتقام والثأر، حتى لو ظهر مكشوفا متلعثما كارها انتقاميا غير موضوعى وبلا أخلاق، يلعب بالبيضة والحجر، لكن المراهن على غباء المصريين أو انشغالهم بحياتهم وهمومهم عن تفاصيل القضايا العامة الكبيرة هو الخاسر دائما.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة