«ليس معنى أن هناك بنايات كبيرة وفخمة فى المدينة أن كل من بداخلها أثرياء».. تبدو صيحة الاعتراض تلك التى أطلقها مواطن موزمبيقى رسالة جيدة لزملائه فى مصر بعد اكتشاف بئر جديدة للغاز فى البحر المتوسط، بأن تفاءلوا ولكن لا تفرطوا فى الفرحة.
منذ عام 2010 تذوقت موزمبيق حلاوة اكتشافات الغاز فى حقول شرق أفريقيا، حين بدأت الشركات الفرنسية المحملة بذكريات الاستعمار فى استطلاع فرص الاستثمار فى هذا البلد الفقير.. انتبه التنين الصينى للفرصة مبكرًا، فأصبح الآن ثالث شريك تجارى لموزمبيق بـ 3 مليارات دولار سنويًا بعد جنوب أفريقيا والاتحاد الأفريقى. لا تسأل عن العرب فهم غارقون فى مسألة «عويصة» تتعلق بحساب النهاية الفلكية الصحيحة لربيعهم الثورى الذى عكر مناخ الشرق الراكد منذ سنين.
لا تفرطوا فى الفرحة، ليس لأن الحدث لا يستحق.. على العكس هذا الاكتشاف يستحق عن جدارة صفة «الخبر الجيد»، لكن إفراطنا فى الفرحة ينسينا دائمًا ماذا نفعل لنجنى فوائد ما بعد الخبر.
أنت أمام 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى، وهو رقم يحتاج لإمكانات هائلة للاستفادة به، صحيح أن مصر لديها مصنعان للإسالة، وكتيبة من الخبراء والفنيين لا يستهان بكفاءتهم، وفى المقابل الناس لا يضمنون التشريعات فى مصر، ولا يثقون فى آليات توزيع الثروة. بعضنا يسخر من المواطنين، متصورًا أن كل واحد منهم يجلس لساعات على جدول الضرب ليحسب نصيبه من حقل الغاز الجديد، بالطبع ليس الأمر بهذه التفاهة.
المصريون مشغولون فعلًا بهذا الاكتشاف، وينتظرون إنعاشه للاقتصاد القومى، والأمر لا يتعدى مجرد الشعور بأن عوائد هذا الغاز ستنعكس على معيشتهم بالكهرباء التى لا تنقطع، وتقليل الوزراء لجمل الاستعطاف التى يكررونها على مسامع الناس بأننا بلد فقير، ومواردنا محدودة، فها هى موزمبيق، صاحبة المستقبل الغازى الواعد، مازالت فقيرة، حيث يعيش 54 فى المائة من شعبها بدولار واحد فى اليوم «حوالى 8 جنيهات».
فقط، صارحوا الناس بالحقائق، وفسروا لهم معانى الأرقام دون تهويل.. لا تعدوهم بمستقبل لا تملكون تحقيقه، أعطوهم السمكة أولًا ثم علموهم الصيد و اتركوهم يواجهون الحياة.. غيروا عقيدة الشعب الذى تعود من حكوماته الكذب، وآمن بأن الأرقام مجرد رموز لا يفسرها إلا الحواة والمنجمون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة