حتى ما كنا نعده من باب السخرية «إرهابا وسطيا جميلا» لم يعد يصلح لهذا العصر المجنون، الشىء الوحيد الذى يليق بما نحن فيه أن تدرب نفسك على عدم الاندهاش حينما يتعلق الأمر بحياتك وسلامتك، لم يعد الإرهابى هو ذلك الشاب الفقير المعقد نفسيا الذى قرر التمرد على أضعف الإيمان فقرر التغيير بيديه، الآن يحملون الآيفون ويواظبون على الذهاب لصالات التأهيل الرياضى، وكانوا يسمعون الموسيقى إلى وقت قريب، بعضهم أيضا لم يكن يعرف من دينه إلا الشهادتين.
بثت لنا الأخبار القادمة من السعودية- ومعظمها حزين هذه الأيام للأسف- أن فتى استعان بشقيقه لقتل ابن عمهما الذى لم تمر على خدمته بالجيش السعودى سوى شهر، فجاءتهما الأوامر من داعش فقضيا عليه وصورا جريمتهما، قبل هذا الحادث بأيام قام فتى آخر بقتل خاله رجل الأمن فى أواخر رمضان، أضف لذلك كل هؤلاء الشبان الذين فروا من حياتهم العائلية المستقرة فى ألمانيا وبريطانيا وأستراليا، ليقاتلوا فى صفوف تنظيم مجهول.
على أى شىء يقاتل هؤلاء..؟ الحنين للخلافة لم يكن يوما مغريا للحد الذى يجعل الفتى المصرى المرفه مفتول العضلات إسلام يكن، يترك كل هذا لأجل نعيم مزعوم وهو الذى لم يعرف معنى البؤس، الحديث عن جنة الشهيد ليس هو الموضة كما كان فى التسعينيات، المعلومات حول جهاد النكاح وأموال النفط المهرب ليست دقيقة.. يقول المحللون إن استخدام تنظيم داعش للإنترنت وبث اللقطات المصورة تسبب فى أن يرتفع عدد المنضمين إليه من الأجانب إلى حوالى 25 ألف شاب، أعتقد أنه رقم مبالغ فيه، لكنه يعمق الحيرة التى يزرعها السؤال: أى إيمان هذا الذى يجعل هؤلاء الشبان يفجروننا ويقتلون أنفسهم؟
فى بداية نشأتها وتوسعها على بحيرة الفراغ السياسى والجغرافى بين العراق وسوريا وتركيا، كانت مناظر منتسبى داعش توحى بأنهم شرذمة بدأت فصلا كوميديا يليق بحالة الفوضى الدراماتيكية التى تعيشها المنطقة، لكن تحولا غامضا جرى لمسارها فأصبحت تتمدد كوحش يفقد السيطرة على نظامه الغذائى، ومع تحولها للبث المصور ارتفع مستوى النظافة فى ملابس أعضائها، وصار الشاب الأشعث الأغبر، مهندم الشعر مرسوم الحواجب، هذا تحول آخر يؤكد أن الإرهاب لم يعد فقط يستخدم السلاح والأجساد المتفجرة، هناك من يشغل وقته بتطوير قوى ناعمة تضمن للتطرف استمرار تدفق النهر الذى يمده بالحياة.. الشباب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة