كتبت هنا عدة مرات عن مظاهر الفوضى فى الإعلام المصرى، وكيف أنها تزامنت للأسف مع الثورة، فقد ظهرت بعد 25 يناير 2011 عشرات الصحف والقنوات الخاصة التى ازدهرت بسرعة، وتفوقت على أغلب القنوات والصحف الحكومية، فى تقديم مضامين وأشكال جذابة، مكنتها من الانتشار بين الجمهور، وأصبحت هى التى تشكل الرأى العام وتوجهه. وأعتقد أن هذا هو أهم تحول فى الإعلام والسياسة بعد الثورة، وهو تحول خطير، لأننا لا نعرف حقيقة تمويل وإدارة وتوزيع الإعلام الخاص بعد الثورة!!
أرى أن جديد هذا التحول الفوضوى هو زيادة معدلات التسييس واللامهنية فى الإعلام المصرى، وغياب الأطر القانونية والتنظيمية المناسبة لتنظيم الإعلام، إضافة إلى هيمنة رجال الأعمال على الإعلان، سواء من خلال الملكية والإدارة المباشرة للصحف والفضائيات الخاصة، أو من خلال التحكم فى منح أو منع الإعلان لأى صحيفة أو قناة أو برنامج بحسب الاتفاق أو الاختلاف مع مصالح رجال الأعمال، (لاحظ منع الإعلانات عن القنوات الحكومية)، يعنى بالبلدى كده وكالات الإعلان توزع الإعلانات أو تمنعها بمزاجها وبدون أى معايير واضحة، أو أرقام محددة ومعلن عنها.. فكل الأرقام سرية أو غائبة، لأنه للأسف لا تتوافر أرقام أو معلومات دقيقة وشفافة عن معدلات القراءة أو المشاهدة، كيف؟
الإجابة أن لدينا خمس وكالات إعلان تسيطر على السوق المصرية منها أربع يمتلكها رجال أعمال، وهذه الوكالات تعتمد على نفسها أحيانا، وعلى شركات أبحاث للجمهور أحيانا أخرى، وهذه الشركات تجمع معلومات بطرق غير علمية، حيث تعتمد على تطبيق استبانة على عينة من الجمهور تسأل فيها عن أفضل البرامج والقنوات وأكثرها مشاهدة، وغالبا لا يتذكر أفراد الجمهور كل البرامج أو القنوات، لذلك تأتى الإجابات غير صحيحة، أو يختار المبحوث بطريقة عشوائية من بدائل الإجابة التى يراها أو يسمعها، علاوة على وجود بعض الأسئلة التى توحى بالإجابة للمبحوث، أو تقوده فى اتجاه معين يحقق مصالح شركات الأبحاث، التى تعمل فى مصر دون أى قواعد علمية أو مهنية أو رقابة شعبية، مع حرصها على ضغط النفقات قدر الإمكان لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة، لذلك تعتمد بحوث تلك الشركات على عينة صغيرة وغير ممثلة لكل شرائح المجتمع، وبالتالى تأتى النتائج غير صحيحة والأرقام كاذبة ومضللة، كما قد تتلاعب شركات بحوث الدعاية والإعلان فى الأرقام والبيانات لصالح القناة أو الصحيفة التى تدفع أكثر.
لكن فى أوروبا والدول المتقدمة تُجرَى بحوث القراءة والمشاهدة بمناهج وتصميمات مختلفة، فشركات بحوث المشاهدة توزع أجهزة على عينات ممثلة للجمهور، تسجل وبدقة متناهية القنوات والبرامج التى يشاهدها كل فرد من العينة، والأهم هناك رقابة مجتمعية وحكومية فى ضوء قوانين تنظم عمل شركات المشاهدة وتلزمها بالإعلان عن القنوات والبرامج الأعلى مشاهدة، حتى يكون الجمهور والمعلنون والعاملون فى الإعلام على معرفة بكل الحقائق، ما يضمن المنافسة الشريفة بين الإعلاميين، كما يضمن حسن توزيع حصيلة الإعلانات، ومن ثم يطور فى المنتجات التليفزيونية.
أما توزيع الصحف فيخضع لتدقيق شركات دولية أو محلية محترمة، تراقب الطباعة والتوزيع وتعلن عنها، وتكون هذه الشركات خاضعة لرقابة قانونية وشعبية حتى لا تنحاز أو تتلاعب بالأرقام لصالح إحدى الصحف، المهم أن يعرف القارئ بدقة ترتيب صحيفته وكم نسخة طبعتها فى هذا الصباح، لأن بعض الصحف تلتزم بنشر أعداد المطبوع منها والمرتجع كل يوم.. أتمنى أن ينظم القانون والهيئات المقترحة لتنظيم الإعلام فى مصر أمور بحوث القراءة والمشاهدة على نحو ما هو معمول به فى أوروبا والبلاد المتقدمة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
بهاء محمد
مقالة ممتازة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
معدلات التوزيع و المشاهدة للقنوات التليفزيونية مصدر صراع بين رجال الأعمال