بينما كنت أقرأ خبراً مفاده تعنيف محافظ الجيزة لأحد الأطباء بمنطقة كرداسة قائلاً له: "شيل إيدك من جيبك وانت بتكلمنى"، قطع الهاتف الاتصال بالإنترنت على مكالمة من الزميل بجريدة المال عزت سلامة كان نصها كالتالى: "يا أيمن عايزين حل فى موضوع الميه فى فيصل.. يا اخى انشروا لنا أخبار فى اليوم السابع عن الكارثة دى الناس زهقت.. احنا تقريبا مبقيناش بنشرب غير مية متخزنة.. وبقيت بشترى الميه دلوقتى.. بعد ما كانت بتيجى ساعة الصبح، وقبلها 6 ساعات، دلوقتى مفيش خالص.. وتعبنا شكاوى للشركة ولمحافظة الجيزة.. حتى الشقة مش عارف أبيعها واطفش من المنطقة دى"!.
يا الله!.. لم أكد ألملم أعصابى من الاستفزاز الذى سببه لى اهتمام المحافظ بسفاسف غير هامة سوى لكل مسئول فقير فكر ومنطق، وإذ بى أسمع كلاماً عن كارثة مسئول عنها نفس الرجل يتركها دون حل، ويدخل فى مشادة مع طبيب شاب بسبب "إيده فى جيبه"!.
انتهى كلام الزميل، ووعدته بنشر الأزمة فى "اليوم السابع"، ووعدنى هو بإرسال أرقام الشكاوى التى وصلت لمحافظ الجيزة فى هذا الشأن، ولكن لم ينته غيظى من الموقف، رغم تسليمى بأن فشل المحافظ فى حل أزمة مياه الشرب لهذه الدرجة هو بالضرورة لأن حجم تفكير المسئول لم يتعد أنه رجل ذهب لمكان ليراقب العمل به فلم يلفت نظره سوى أن من يحدثه يده فى جيبه!.
فى واقعة "شيل إيدك من جيبك" لم يراع المحافظ صاحب موكب السيارات الفارهة والحرس والعدة والعتاد والسكرتارية والمكاتب الإعلامية والمستشارين، أن الطبيب الذى يقف أمامه على كل كفاحه وتميزه عبر سنوات يتقاضى راتباً أقل من أصغر حراسه ومستشاريه، وربما حتى ساعى مكتبه، كما لم يتعامل معه بمهنية ويتحدث فى إذا ما كان هناك خطأً مهنى ارتكبه الطبيب الشاب أم لا، واهتم فقط بوقفة الطبيب، فكانت الصورة هناك فى منطقة فيصل "مواطنون عطشى بسبب انقطاع المياه الدائم، بينما يحتفظ بها المحافظ فى جيبه ربما لا نعرف، طالما أنه يهتم بالجيوب إلى هذا الحد"!.
فى واقعة "شيل إيدك من جيبك" لم يراع المحافظ صاحب المواكب والحرس إلخ إلخ.. أن الطبيب الشاب يعمل بأقل الإمكانيات فى وحدة صحية تفتقر هى أيضاً لأساسيات العمل بسبب مسئولى "فقر الفكر وفكر الفقر" مثل السيد المحافظ ومن سبقوه، ويتحمل الشتائم والسباب من المواطنين وغيرهم خلال يوم العمل الصعب، لذا فإنه يفكر فيما هو أبعد من زيارة صاحب الموكب والحرس والمكاتب المكيفة، بينما الأخير يهتم فقط باللحظة التى يتواجد فيها من حيث "الشو والإعلام"!.
واقعة "شيل إيدك من جيبك" لا يمكننا فصلها عن كارثة انقطاع المياه الدائم عن مناطق متعددة بفيصل التابعة للسيد محافظ الجيزة، حتى إن المواطنين هناك يشترون المياه فى مصر "هبة النيل"، ذلك أنها تعكس إلى حد كبير اهتمامات المسئول وأسلوب تفكيره وحجمه، لذا نطالب صاحب المنصب الرفيع أن يضع لنا يده فى جيبه كل يوم، ولن نغضب طالما أنه يخرج لنا من جيبه أبسط متطلبات الحياة على الإطلاق "نقطة المياه"، وبعدها سوف نخرج فى مليونية تطالب أطباء بمصر بعمل "بالطو" بدون جيوب إرضاءً للسيد محافظ الجيزة!.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة