جاءت سيارة التاكسى التى ستقلنى إلى مكان تجمع العمال المصريين فى روسيا ، فخرجت من فندق "بريزيدنت" الذى كان مقرا للحزب الشيوعى الحاكم فى الاتحاد السوفييتى السابق ، وأنا أفكر فى تسجيل قصص كفاح أعضاء الجالية المصرية الصغيرة فى روسيا وسط ظروف بالغة القسوة ، فالبرد القارس فى الشتاء يقتل الغرباء والمشردين وغير المستعدين للمقاومة بسهولة ، ورغم أن المجتمع الروسى متسامح ويقبل الغرباء ، لكن على هؤلاء الغرباء أولا ، أن يتقنوا لغته وأن يعرفوا عاداته حتى يستطيعوا الاستمرار ، فكيف صمد المصريون الذين جاءوا إلى روسيا بدون مال ولا لغة ولا حرفة يتقنونها؟.
كان هذا السؤال يشغلنى وأنا متجه إلى منطقة تسمى " سادافود" خارج موسكو بحوالى أربعة عشر كيلو متر على الطريق الدائرى المحيط بالعاصمة ، وبينما أسجل أسئلتى وملاحظاتى عن البلد فى مفكرتى الصغيرة ، فاجأنى السائق بالحديث على غير عادة سائقى التاكسى الروس ، وبخليط من الإنجليزية المكسرة والروسية ولغة الإشارة حكى لى حكايته ، واستفاض فى استعراض آراءه السياسية
"فيدات ياشار" سائق التاكسى لم يكن فعلا روسيا ، كان تركيا يقيم فى موسكو منذ 17 عاما ، قال لى إنه يحب صدام حسين لأنه بطل وحارب الأمريكان وإن أى أحد يحارب الأمريكان بطل ، ولأول وهلة ظننت أنه تركى يدور ضمن الحالة الروسية ، فمن الطبيعى أن ينتشر العداء لواشنطن فى بلد تتعرض للحصار الخانق من قبل امريكا وحلفائها لدرجة تراجع قيمة عملتها " الروبل" الى أكثر من النصف ' لكن "فيدات" كانت له رواية أخرى ، فأبوه ياشار كان الطباخ الخاص لصدام حسين خلال الفترة من 1980 وحتى 1984 وعاش "فيدات" هذه السنوات الأربع فى بغداد ، فى ظل الكرم الحاتمى لصدام وتأثر بما كان يحكيه له أبوه من مواقف الزعيم العراقى الذى سلمه الأمريكان لخصومه ليعدموه شنقا بدلا من أضحية عيد الأضحى.
"فيدات" مثلما يحب صدام ويكره كل ما يمت لأمريكا بصلة ، يكره أردوغان بشدة ويتهمه بأنه سرق تركيا وباعها لإسرائيل وسرد لى حكاية شعبية عن جد أردوغان لأمه وكيف كان يهوديا عمل طول حياته ضد تركيا ، وجده لأبيه وكيف كان ضمن المتآمرين على كمال أتاتورك، واستمر طوال الطريق يشتمه بأبشع الألفاظ استطعت أن أميز منها ما يكرره كثيرا " أردوجان نو ترك نو مسلمان ..أردوجان اسرائيليان" ، وكلما حاول الدخول فى موضوع آخر ، أعيده إلى أردوغان وأنا مستمتع بحماسه وانفعاله ضد الطرطور التركى الذى يدبر المؤامرات لمصر ويتدخل فى شئونها ويستضيف المجرمين والإرهابيين
لكن فيدات فاجأنى بسؤاله " يو ليك سيسى" فضربت تعظيم سلام ، وسألته وأنت يا فيدات ، فأجاب " ليك سيسي.. ليك سيسي" وأظهر صورة له هو وأبيه على الموبايل قائلا "ياشار يا شار" فالتقطتها منه وصورتها وكنا قد وصلنا منطقة " سادافود" والتقطت معه صورة للذكرى ووعدته أن أسجل حكايته.
وداعا "فيدات. " وليسقط أردوغان لأنه "نو ترك نو مسلمان "
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة