الذكرى التاسعة لرحيل أديب نوبل.. من «اللص والكلاب» إلى «عبده موتة».. أين ذهب «زمن الإجرام الجميل»؟ .. سعيد مهران متألماً فى رائعة «نجيب».. وعبده موته يتفاخر بجريمته

الأحد، 30 أغسطس 2015 04:33 م
الذكرى التاسعة لرحيل أديب نوبل..  من «اللص والكلاب» إلى «عبده موتة».. أين ذهب «زمن الإجرام الجميل»؟ .. سعيد مهران متألماً فى رائعة «نجيب».. وعبده موته يتفاخر بجريمته نجيب محفوظ
كتب وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فور قراءتك لعنوان هذه المقارنة قد يتبادر إلى ذهنك هذا السؤال: وكيف نقارن بين المخرج كمال الشيخ والمخرج إسماعيل فاروق، والمنتج جمال الليثى والمنتج محمد السبكى، بل كيف نقارن بين شكرى سرحان ومحمد رمضان، أو بين العظيمة «شادية» وحورية فرغلى أو دينا، والأهم كيف نقارن بين الكاتب الأكبر «نجيب محفوظ»، وسمير مبروك؟

أسئلة مشروعة وحقيقية، وهذا هو المؤلم فى الأمر، وهذه المقارنة ليست سوى محاولة لرصد «الألم» الذى نعيش فى ظله كل يوم، ألم الانحدار، ألم الصعود إلى الهاوية، ألم فقدان القيمة وانتحار الهدف، فقد أصبحت ذكرى نجيب محفوظ أشبه ببكائية سنوية على مصر الجميلة التى كانت «هوليوود الشرق» فأصبحت المصدر الرئيسى لتصدير المتناقضات والانحطاط الفنى والأخلاقى والسياسى، ولا عجب هنا أن نتذكر سويا أنه فى العام الذى عرض فيه فيلم «عبده موته» هو ذات العام الذى شهد صعود الإخوان وتربعهم على حكم مصر، ولا تحسبن أن المقارنة هنا من باب القدح فى الإخوان والذم فيهم، ويعفينى من تبرير هذا التوجس أن أذكرك فحسب بأن كلا من «عبده موته» و«الإخوان» كانا من أهم رافعى شعار «الجمهور عايز كده» فى القصر الجمهورى كما فى دور العرض السينمائى.

للجمهور الحق فى أن يعجب بعبده موته فيجعله متربعا على قمة إيرادات السينما المصرية، وللجمهور الحق أيضا فى أن يعجب بالإخوان فيجعلهم على رأس الحكم فى مصر ليعيدونا إلى غياهب الجاهلية، لكن لنا الحق أيضا أن ننظر من النافذة، وأن نبكى على طريق التقدم العلمى والأدبى الذى مشيناه، ثم أتى الفساد والاستبداد ليقطع علينا الطريق نحو التقدم.

فى قصة نجيب محفوظ التى حولها كمال الشيخ إلى الفيلم الخالد «اللص والكلاب» يظهر عمق المأساة الإنسانية فى صورة شخص أوقعه القدر فى المحظورات، فنال الألم الكامل من كل أطراف الحياة ومكوناتها، فلا تعجب بهذا الشخص ولا تتعاطف معه ولا تعجب بأفعاله الإجرامية، ولا تحنق عليه أيضا أو تكرهه، فقط تكره الظلم الذى ارتكبه هذا الشخص كما تكره الظلم الذى وقع عليه من الأصحاب والأحبة والأبناء، فقصة الفيلم تدور حول البطل الرئيسى للرواية سعيد مهران الذى يدخل السجن بفعل وشاية يقوم بها صديقه «عليش» الذى بدوره يقوم بالزواج من زوجة سعيد بعد تطليقها منه وحينما يخرج سعيد مهران من السجن يجد العالم قد تغير، ويفاجأ أيضا بتنكر ابنته الصغيرة له لأنها لا تعرفه ثم يلجأ إلى صديقه الصحفى القديم رؤوف علوان فينهره، ثم يتوجه إلى الشيخ الجندى لكى يجد الخلاص فى الدين فلا يقنعه، ولا يجد حضنا حانيا إلا «نور» تلك الغانية التى تعطف عليه وتضعه فى عينها، فيقرر سعيد مهران أن ينتقم من غدر الأصحاب والأحباب، وحينما يفعل هذا يجد نفسه وقد وقع فى مرارة الظلم مرة أخرى، ويصبح ظالما بعد أن كان مظلوما، فبدلا من أن يقتل صاحبه الخائن «عليش» يقتل مجهولا بريئا استأجر شقته من بعده وحينما يذهب لقتل صاحبه القديم رؤوف علوان يقتل حارسه، وهكذا نرى فى الفيلم ما يمكن أن يفعله الانتقام الأعمى كما نرى عاقبة الخروج على الأعراف القانونية وفشل المنتقم فى تحقيق مسعاه بأن يشفى غليله، لنتأكد من مغبة إعادة البشرية إلى مرحلة ما قبل القانون، ونتأكد أيضا من أن قانون الغاب لم يعد صالحا للعصر الحالى.

ما يميز حقا فيلم “اللص والكلاب” هو ذلك الألم الذى يشعر به البطل “المجرم” طوال أجزاء الفيلم، فهو المتألم حينما تعرض للظلم وهو المتألم حينما حاول أن ينتقم ممن ظلمه، وهو المتألم من جحود الأهل والأصدقاء ونكران الأبناء، وهو المتألم حتى فى علاقته ببائعة الهوى «نور» لأن مجرد اللجوء إليها والعيش فى كنفها سبب كاف للخذلان، ولم يلجأ وتتجلى المأساة فى أقسى صورها حينما يفشل «سعيد» فى العثور على الخلاص فى كل أركان الحياة، خاصة الدين، ليوحى لنا أبو الرواية العربية أن العصر الحديث يتطلب آليات أخرى للتعامل مع الانحراف الإنسانى، كل هذا فى إطار من الألم يملأنا بالكراهية تجاه الظلم والجريمة على حد سواء.

للأسف يجب هنا أن نشير إلى ما فيلم عبده موته الذى حاول صناعه أن يبرزوا البطل وكأنه ضحية المجتمع لكن لأن النوايا ليست صادقة ولأن الفن ليس من وراء القصد، فقد تفنن صناع الفيلم فى عرض «مباهج البلطجة» وصوروا موتة وكأنه بطلا أسطوريا لا يقهر، وبدلا من إدانة البلطجة وأفعالها، أصبح الفيلم أداة لتبرير الإجرام وتجميل أفعاله، ثم جاءت فكرة العقاب النهائى وكأنها سحابة صيف وسط زخم عرض مفاتن البلطجة المقرونة بالاستمتاع بالصيت والنساء والمغامرات.

هذا عصر، وهذا عصر، وبين العصرين عشرات السنين الجوفاء التى كانت سلما هبطنا من خلاله إلى الدرك الأسفل من الفن، والدرك الأسفل من السياسة، والدرك الأسفل من الانحطاط المجتمعى، وكل هذا نابع من فكرة الاستسهال، فصحيح ليس فى مصر الآن من هو فى قيمة وقامة نجيب محفوظ، لكن أيضا هذا لا يعنى أنه ليس لدينا روائيون كبار يمكن أن تسهم أعمالهم فى خلق نهضة سينمائية كبيرة إذا ما اعتمد المنتجون على أعمالهم بدلا من الاستسلام لظاهرة «طبخ السيناريوهات» التى أنتجت لما «عبده موته» وشركاه.
اليوم السابع -8 -2015


موضوعات متعلقة..


لماذا لم يتم تجسيد حياة ..«أديب نوبل» فى عمل درامى كبير؟..بشير الديك: على الدولة أن تهتم.. وطارق الشناوى: الشركات الخاصة هى الحل.. وخالد الصاوى يصلح لتجسيده








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة