حنان شومان

بين النور والقبور.. فنان وصحفى وسياسى

الجمعة، 14 أغسطس 2015 07:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الكلمة نور وبعض الكلمات قبور، قول حق، فكم من كلمة تضىء طريقا وكم من كلمات تنشر العتمة حيث حلت، ومهنة الصحافة هى نشر الكلمة أما مهنة الفن فهى نشر المعنى والشرح لكل الكلمات، ولذا فما ألصق المهنتين! ورغم أنى من أهل الأولى فإننى لا أستطيع أن أكابر وأدعى أننا جميعا كأصحاب أقلام ننشر النور حيث تحل كلماتنا، وبنفس الصدق لا أستطيع مهما كنت محبة ومدركة لقيمة الفن بكل أشكاله أن أدعى أنه دائما ما ينشر الحق والخير والجمال، ولكنى أدرك بوعى شديد أن أيا ما كان ينشره الفن قبح أو جمال، كذب أو صدق، فهو أكثر تأثيراً وأطول عمراً من كل ما تنشره الصحافة، وبالتأكيد من كل ما تمليه السياسة وأهلها على الشعوب.

ولعل وفاة نور الشريف المباغتة رغم مرضه قد دفعت بذاكرتى لهذه المقارنة والمفاضلة بين الكلمة الأكثر بقاءً والأقوى تأثيراً، وبالتالى بين ثالوث غير مقدس يتكون من سياسى وصحفى وفنان، ففى عام 1987 تم اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطينى الأشهر ناجى العلى فى لندن، وتفرق دمه بين القبائل أو بين جهات عدة مفروض أنها مختلفة، ولكنها اتفقت جميعا على التخلص من الفنان صاحب الريشة، فالموساد ومنظمة التحرير الفلسطينية وأنظمة عربية مختلفة كلها أشارت لها أصابع الاتهام ولكن التحقيقات الرسمية لم تقل لنا أبدا الحقيقة الكاملة، قتلوا الفنان ناجى العلى، ورغم ذلك ظل حنظله الطفل الذى ابتدعه حيًّا لا يموت حتى الآن وبقى رمزا لقضية وهم لا يبرح النفوس، وتتذكر الجماهير المقتول ولا تعرف أو تتذكر القاتل، وجاء نور الشريف فى عام 1992 ليقدم لهذه الجماهير فيلما عن ناجى العلى كتبه بشير الديك وأخرجه عاطف الطيب، وكان فيلم الافتتاح لمهرجان القاهرة السينمائى ذلك العام وما إن بدأ عرضه جماهيرياً حتى صدر قرار بمنع العرض إثر حملة صحفية قادتها دار أخبار اليوم آنذاك ورئيس تحريرها الذى لم يكتف بتلطيخ سمعة ناجى العلى ويصوره مجرما خائنا، ولكن أضاف كل هذا وأضفاه على نور الشريف البطل والمنتج وراحت حملة مسعورة تستعدى كل مصرى وعربى ضده حتى صدر قرار من مجلس التعاون الخليجى بمنع عرض أفلام نور الشريف وانتفض ياسر عرفات بكل ثقله ليقف ضد مجرد فيلم وفنان اجتمع على حربه السياسى والصحفى وشهروا كل أسلحتهم من كلمة لفعل ضد مجرد فيلم مدته ساعة ونصف ومنعوه وصادروه ولو ملكوا لحرقوه واتهموا أصحابة بالخيانة العظمى.. ولكن هل يذكر أحد ممن عاشوا تلك اللحظة أو حتى سمعوا عنها شيئاً مما كتبه الصحفى أو فعله السياسى؟ بالتأكيد لا، ابتعد قلم الصحفى وكلماته ومات الساسة ولم يبق منهم إلا صورة فى كتاب تاريخ يقرأه طالب متململ، ولكن بقى وسيبقى حنظلة وصاحبه الفنان رغم اغتياله، وبقى نور الشريف البطل والفنان قبل موته وبعده، وسيبقى فيلم ناجى العلى مزيناً باسم صناعه لا مانعيه، وعود على بدء الكلمة نور وبعض الكلمات قبور، فهل تعرفون الآن من اختار النور ومن ذهب بكلماته للقبور؟








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة