يعيش طلبة الثانوية هذه الأيام فى حالة ترقب انتظارًا لما ستسفر عنه نتيجة تنسيق الثانوية العامة بنظاميها العلمى (علوم – رياضة) والأدبى، والحقيقة أن هذه الحالة نتيجة لنظام تعليمى فاشل اعتدنا عليه لسنواتٍ طويلة، مفاده أنه يجب على الأهل بذل كل ما فى طاقاتهم وأكثر من موارد مادية للإنفاق على الدروس الخصوصية لأبنائهم فى هذه السنة الدراسية، وعلى الأبناء تقدير ما يُنفقه أولياء أمورهم عليهم وتحقيق الهدف الذى يسعى الجميع من أجله، ألا وهو المجموع الذى يزيد على 98% لطلبة القسم العلمى، وأكثر من 90% لطلبة القسم الأدبى، وإلا فلن يستطع أىٍ منهم الالتحاق بكليات القمة – مع تحفظى على هذا الوصف لتلك الكليات – هاجسٌ عاش فيه كل من مر بهذه المرحلة لفتراتٍ طويلة جدًا، هم يجتاح الكل بمجرد المرور من مرحلة 2 ثانوى وكأنه فيروس يعيث فسادًا فى السوفت وير الخاص بهم، لماذا كل ذلك القلق؟!، لماذا لا نعتبر الشهادة الثانوية مثلها مثل أى عام دراسى؟! هل لأنها نقطة الفصل التى تفصلنا عن مستقبلنا المهنى بعد دخولنا لعالم آخر يُطلق عليه الجامعة؟!
الإجابة على هذه التساؤلات تنحصر فى تغيير مفهومنا لمعاناة الدخول فى معترك الثانوية العامة، فطالب تلك المرحلة دائمًا ما يشغل ذهنه بكلية قمة معينة، طب، طب أسنان، صيدلة، هندسة، إعلام، اقتصاد وعلوم سياسية، فإذا لم يُسعفه مجموعه بالالتحاق بإحدى هذه الكليات، تسود الدنيا فى عينيه، ولا يطيق حياته، ويعتبر ما حدث نهاية المطاف، ويظل يلعن فى التنسيق الذى قضى على أحلامه فى الدخول إلى إحدى كليات القمة!!
وأعود لأقول أنى أرفض تمامًا هذا المصطلح، لأن القمة بالنسبة لى مفهومها يتحدد بالكلية التى أستطيع من خلالها تحقيق ذاتى وهدفى فى الحصول على وظيفة مميزة، أو تكملة دراساتى العليا بها والتفوق طوال سنوات الدراسة، فكم من متفوق فى الثانوية العامة التحق بواحدة من تلك الكليات ولم يستطع تكملة المسيرة بنفس التفوق؛ لمجرد أنه (استخسر) – ومعذرةً لهذا اللفظ فلم أجد وصف يليق بما يحدث غيره – مجموعة فى كليةٍ أخرى أقل فى المجموع – لكن - من الممكن أن ينبغ ويتفوق وتظهر قدراته بها ويُكمل بعدها فى وظيفة أحلامه، الفكر العقيم الذى تتوارثه أجيال عديدة فى قضية المجموع والتنسيق سيظل موجود أبد الدهر، لو أننا لم نأخذ حذرنا كأولياء أمور ونُربى أبناءنا على عقيدة سوق العمل أهم من كلية (قمة)، ونبوغك فى تخصص نادر أو دراستك بنهم فيه يفوق كثيرًا التفكير فى تصنيف الكليات على حسب المجموع والتنسيق، يجب أن يرسخ فى ذهن الأهل والطلاب، أن كلية القمة هى التى أجعل منها بالنسبة لى قمة فى سنوات دراستى وفى وظيفتى بعد تخرجي، وإلا فتخرجى لن يكون له معنى لو صممت على توارث ما تُربَّى عليه أجيال عديدة من معتقدات أفقدتهم حب الدراسة والعمل فى تخصص يرغبونه، فأصبحنا نرى خريج طب سائق تاكسى، وخريج الهندسة يعمل فى مطعم، وهكذا.
تنسيق الثانوية العامة ليس بجنةٍ أو نار، من يستطع الظفر بالمجموع الذى يليق بكلية قمة يُهلل له وتقام له الأفراح، ومن لم يستطع يظل يلوم نفسه ويُنظر له على أنه فاشل وتُقام المآتم من أجله ليل نهار، تنسيق الثانوية العامة بداية لا نهاية لمن يعِ ويفهم والتعدد فى خيارات التنسيق ميزة لا عيب، فالحياة لن تقف على طب أو هندسة، الحياة ستقف بالفعل عندما نحارب لكى ندخل هذه الكليات وفى النهاية نكتشف أننا لم نحصل عند دخولها سوى على لقب دكتور أو مهندس، لكننا لم نقدر على تحقيق أى شىء، لماذا؟!! لأن هناك مثلنا الكثير نسخ عديدة، ولسنا متفردون فى شىء عنهم، وقتها لن ينفع البكاء على اللبن المسكوب.
جامعة القاهرة
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة