الهوية هى حلبة الصراع الحقيقية بيننا وبين العدو
هكذا تحدث الدكتور عبد الوهاب المسيرى المفكر المصرى الذى استطاع أن يقدم مشروعا فكريا مميزا يتعلق بمفاهيمنا العربية وبالوافد علينا ومعرفة غثه من ثمينه، حيث عالج من خلاله قضايا كبرى مثل العلمانية والحداثة وما بعد الحداثة وفكر حركة الاستنارة وقضية المرأة، كل ذلك بجانب اهتمامه الكبير بمسألة الصهيونية كما ظهر فى موسوعته المهمة .
ويرى الباحث المغربى عثمان أمكور، أن عبد الوهاب المسيرى يرى أن الفلسفة الغربية عجزت عن تفسير ظاهرة الانسان، بل عمدت إلى حوسلته وتوظيفه والتعامل معه على أنه إنسان مادى، وهى بذلك تقوم بتجريده من مميزاته وإنسانيته، بل واعتبرته المجسد لأحد هاتين الشخصيتين النمطيتين؛ الأولى صراعية دموية قادرة على اختراق وتجاوز كل الحدود، والثانية قادرة على التكيف مع الواقع والخضوع للقوانين، كما يرى الدكتور المسيرى أن الإنسان لا يمكن رؤيته إلا انطلاقا من نموذج توليدى، قادر على أن يدرك الثنائية الأساسية التى يقوم عليها الإنسان، مؤمن بخلقية عقله وقدرته على الاستقلال عن الطبيعة /المادة، حيث أنه لا يخضع لحتميتها فى كل الجوانب.
الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على أن يرتفع على ذاته أو يهوى دونها، على عكس الملائكة والحيوانات، فالملائكة لا تملك إلا أن تكون ملائكة، والحيوانات هى الأخرى لا تملك إلا أن تكون حيوانات، أما الإنسان فقادر على أن يرتفع إلى النجوم أو أن يغوص فى الوحل.
ضد التحيز
بدأت فكرة هذا الكتاب أثناء كتابة موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، إذ اكتشف المسيرى أن المفاهيم والمفردات المستخدمة لوصف العقيدة اليهودية والظاهرة الصهيونية متحيزة، ولا تعبِّر عن التجربة العربية من قريب أو بعيد. ولذا دعا مجموعةً من الكُتَّاب العرب (أولاً فى الرياض فى المملكة العربية السعودية، ثم فى القاهرة) وغير العرب، ليكتب كلٌّ منهم دراسة فى حقل تخصصه عن التحيزات التى وجدها أثناء بحثه، وإمكانية تجاوز هذا التحيز. وكانت الثمرة مؤتمراً عُقد فى القاهرة عام 1992 فى نقابة المهندسين، وكتاباً من مجلدين ضخمين صدر فى القاهرة عام 1993 (فى طبعة محدودة) ثم فى واشنطن (الطبعة العالمية) عام 1996.
ثم صدرت طبعة ثالثة (الطبعة الشعبية) فى القاهرة عام 1998 فى سبعة مجلدات، كل مجلد مخصَّص لفرع مستقل من فروع المعرفة. يضم المجلد الأول"فقه التحيز" وهو المقدمة الطويلة التى كتبها الدكتور المسيرى لهذا العمل، وبيَّن فيها أسباب التحيز وأشكاله وكيفية تجاوزه، دون إلغائه.
كما ضمت بقية المجلدات دراساتٍ أخرى للدكتور المسيرى، فالمجلد الثانى المعنون بـ"مشكلة المصطلح" فيه دراسة بعنوان "هاتان تفاحتان حمراوان" عن تركيبية اللغة الإنسانية وعن علاقة الدال بالمدلول. وفى المجلد السادس المعنون "علم النفس والتعليم والاتصال الجماهيرى" دراسة عن "الحقائق الصلبة والنموذج المُعْوَجّ". وقد تناول المجلد السابع والأخير فكر الدكتور المسيرى والنموذج المعرفى الكامن فى دراساته فى مقالين، الأول للدكتور إبراهيم البيومى غانم بعنوان "إدراك التحيز فى الفكر العربى الحديث"، أما الثانى فكتبه الأستاذ حسام الدين السيد بعنوان "التحيز والتفسيرات المادية".
اليهود واليهودية
تتناول موسوعة اليهود واليهودية كل جوانب تاريخ العبرانيين فى العالم القديم، وتواريخ الجماعات اليهودية بامتداد بلدان العالم، وتعداداتها وتوزيعاتها، وسماتها الأساسية، وهياكلها التنظيمية، وعلاقات أفراد الجماعات اليهودية بالمجتمعات والدول التى يوجدون فيها وبالدولة الصهيونية. وتشمل كافة الأحوال الاجتماعية والسياسية وكافة الشؤون الحياتية التى صاحبتهم منذ زمن العبرانيين فى العالم القديم حتى العصر الحديث انتهاءً بدولة إسرائيل. وتركز على أحوال هذه الجماعات فى البلدان التى تواجدوا فيها ودراسة الظروف المحيطة بهم، حيث جعلت من هذه الظروف المحيطة المختلفة مرتكزا رئيسا لتفسير أفعالهم وخصوصيتهم و أخلاقهم أكثر من الاعتماد على عقائدهم، ومن أشهر الأمثلة على ذلك أن تحاول بهذا أن تفسر الجرائم والأفعال المشينة اليهودية والعداء و التهم الموجهة من الأغيار لليهود فى كل زمان ومكان بحيث تجعل اليهود غالبا غير مسؤولين عنها، وهذه النظرة موضوعية وحيادية برأى كاتبها وكثير من أشهر مؤيديه، بينما هى متحيزة كثيرا لليهود برأى البعض الآخر خاصة منتقديه، ومخالفة للواقع ولأوصاف اليهود فى القرآن والإنجيل، بل وصف الموسوعة بعض النقاد بأنها تدافع عن اليهود.
وتغطى الموسوعة كذلك أشهر الأعلام من اليهود (مثل موسى بن ميمون) وغير اليهود ممن ارتبطت أسماؤهم بتواريخ الجماعات اليهودية (مثل نابليون بونابرت وهتلر). كما تتناول هذه الموسوعة كل الجوانب المتعلقة بتاريخ وشعائر الديانة اليهودية وفرقها وكتبها الدينية، وطقوسها وشعائرها، وتأثرها بالديانات المختلفة، وأزمتها فى العصر الحديث، وعلاقتها بالصهيونية وبمعاداة السامية (معاداة اليهود).
وتغطى فترة تحديث الجماعات اليهودية وعلاقتهم بالرأسمالية والاشتراكية، أيضا تشمل الحديث عن ثقافاتهم وتراثهم وفنونهم وآدابهم ولغاتهم ومفكريهم وفلاسفتهم، وأحوال التربية والتعليم لديهم، وتغطى أيضا الحركة الصهيونية ونشاطاتها ومدارسها وأعلامها، وبعض الجوانب الأساسية للدولة الصهيونية، وتجربة الحداثة الغربية بشكل عام.
موضوعات متعلقة..
مكتبة دمنهور تتجمل لعبد الوهاب المسيرى فى ذكرى مولده
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة