د. عمار على حسن

«الثابت والمتحول».. محاولة جريئة لتحقيق الإصلاح الدينى المنشود (4 - 6)

الخميس، 02 يوليو 2015 10:22 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يتمثل التحول الذى أسسته الحركة الشعرية العربية فى التمرد على «النموذج الأخلاقى»، والخروج على نموذجى المعانى والتعبير، ومعارضة السلطة الحاكمة فى تاريخ المسلمين، ويعطى أدونيس أمثلة لشعراء مثلوا هذا الاتجاه، مثل امرؤ القيس، الذى تمرد على نظام القبيلة وقيمها السائدة، وخرج عن أساليب المعانى والتعبير التى كان يعرفها الشعر الجاهلى، وهناك عروة بن الورد الذى تمرد على القرابة الدموية أو القبلية وأكد على الاحتفاء بالإنسان، بغض النظر عن لونه أو جنسه أو فقره وغناه، ويوجد كذلك شعراء الخوارج، الذين أعطوا الشعر مضمونا أيديولوجيا حيال الدين والسياسة، مثل عمرو بن الحصين، وحبيب بن خدرة الهلالى، وزياد الأعسم، وهناك من تمرد بشعره على النظرة التقليدية للمرأة مثل عمر بن أبى ربيعة وجميل بن معمر.

وفى تصوره لتأصيل الاتباع أو الثبات، يتخذ أدونيس من الشافعى، فى الفقه، والأصمعى والجاحظ فى الأدب، مثالا على ذلك، فالشافعى، فى نظره، كان يتعامل مع كل تفكير لا يكون اتباعا للسنة النبوية على أنه «هذيان» وكل بحث عقلى على أنه «تردى» وكان يمقت ممارسة علم الكلام، بدعوى أنها دليل على التجرد من الدين، وينظر إلى الإنسان على أنه شخص مكلف ووجوده فى الدنيا اختبار له، ولذا يجب أن يكون مطيعا على الدوام، الأمر الذى يعنى أن الحرية بمثابة عصيان وتفلت. أما الأصمعى والجاحظ، فقد تصورا أن كل جديد هو تنويع على القديم، أو ترميم له، أو إعادة إنتاج له، بشكل أو بآخر، ومن هنا صار لديهم الفكر هو تأمل الذات لنفسها، وبدا العرب لا يعرفون من الفكر إلا بعده الغيبى، أى الدين، وإلا مظهره البيانى، أى اللغة، وهذا الاتجاه يعبر عن ثقافة سلفية، ويكرس النظام السياسى والاجتماعى القائم.

أما تأصيل الإبداع أو التحول، فيرى أدونيس أنه يتمثل فى ثورة الزنج (255 هـ - 270 هـ) والحركة القرمطية (بدأت سنة 264 هـ)، فالأولى كانت، فى تقديره، ثورة عبيد على أسياد، ووعدت هؤلاء العبيد بحياة كريمة يمتلكون فيها ملك أسيادهم، والثانية، التى انتشرت فى البحرين واليمن ومصر والمغرب، كانت نوعا من العمل الجماعى لتوليد الشروط المادية الملائمة لحياة الإنسان، وهى شروط كانت تبدو عارضة أو كانت لا تتعدى كونها هبة من الخلافة العباسية، وقد دعا القرامطة إلى خلع الخليفة الجائر، ونادوا بإسلامية العروبة وليس عروبة الإسلام، ووحدوا بين النظر والممارسة، من خلال اتخاذهم الطبقات المسحوقة قاعدة اجتماعية ومادة أساسية للعمل السياسى الدينى، وانتهاجهم أسلوب الملكية الجماعية «الإلفة»، وأعطوا الدين بعدا ماديا اقتصاديا، فكانوا بذلك فى رأى بعض المستشرقين، أول من وضع بذرة العمل النقابى فى العالم الإسلامى.

كما يتجلى التحول، من وجهة نظر أدونيس، فى ما أسماه «المنهج التجريبى وإبطال النبوة»، ويجد هذا المنهج فى أعمال ابن المقفع، التى خلت من أى عنصر للتدين، وركزت على الأدب الخالص، وآراء ابن الراوندى، الذى قال بأن العقل أصل العلم والعمل، وبذلك قدم العقل على النبوة، وكذلك آراء محمد بن زكريا الرازى، الذى اعتبر، هو الآخر، أن العقل أصل المعرفة، مما يفرض ضرورة أن يكون متبوعا وليس تابعا، كما وجد أدونيس فى المنهج التجريبى العلمى لجابر بن حيان، الذى يقيس الغائب على الشاهد، ويقوم بإحلال النسب الكمية محل الخواص الكيفية فى تفسير أى مظهر من مظاهر الوجود، دليلا على التحول والإبداع، فى التاريخ الفكرى العربى، وعلى العكس من الأصمعى والجاحظ، اعتبر أدونيس أن أبونواس وأبوتمام أقاما أسس التجديد فى الشعر العربى، حيث لم تكن الكتابة بالنسبة إليهما تنويعا على القديم أو ترميما له، إنما إبداع ذو طابع مغاير، ومثلت بالنسبة له «الصوفية» بتأكيدها على الحقيقة فى مقابل الشريعة، وتركيزها على طوية الإنسان وحريته فى إقامة علاقة خاصة مع ربه، مصدرًا من مصادر التحول. ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة