بعد مرور أكثر من ست أعوام كنت فيها خالى الفؤاد، عازفًا عن كل جميل، حتى بدت الدنيا وكأنها تذبل وتنفض عن نفسها أوراق الشجر المُصْفَّرة، عشت فيها دون أن يشاركنى أحد بهجة الحياة، ومتعتها، وآلامها، وأحزانها، ويأخذ بيدى ويشجعنى، ويقودنى إلى الأمام، كنت أتساءل لماذا هذا الجفاء الذى أنا فيه؟ وإلى متى سيظل القلب خاويًا رغم مئات من المُحبات اللاتى يتلهفن على كلمة منى؟ وعشرات منهن يعترضن طريقى، دون أن ألقى لهنَّ بالا، ولا حتى أنظر اليهن، كنت أرى الدنيا من زاوية من أراد الزهد فيها وعزف عن كل ملذاتها محاسنها.
ومرت السنين دون أن يطرق القلب طارق.
ومع انشغالى بالدراسة العليا اكتفيت أن تكون حبيبتى (رسالة الماجستير) التى أعدها فى التاريخ الحديث، فسهرت معها الليالى الطوال، دون كلل أو ملل، وهى لم تكن يومًا ما مصدر إزعاج لى، ومع ذلك كنت شارد البال، سابحًا فى عنان السماء، أمسك بقلمى فى جوف الليل لأكتب كما يكتب العشاق، فأجد قلمى لا يتحرك، ويأبى إلَّا أن يثبت فى مكانه، فهرعت إلى الطيب لعلى أجد ما يشفينى، فكانت المفاجأة أن وجدت الطيب يعانى مما أعانى، فقلت يا ويلتى أين الدواء؟
دخلت فى مرحلة الدكتوراه وراودنى ذلك الاحساس مرة أخرى، وهو الاحساس الذى يجعلك قلقا،ً وتحتاج إلى دعم عاطفى أكثر من أىّ دعم آخر، ومرت الأيام وقلبى يتقطع ألمًا باحثًا عن جزئه الآخر، فمللت من الانتظار حتى قلت سأعيش راهبًا لدراسة التاريخ، ولن أذهب بعيدًا عن أولئك الذين وقفوا حياتهم للعلم!!
وحتى أتجاوز هذه المحنة أقحمت نفسى فى التأليف، فمرت خمس أعوام من العمل الجاد فى تأليف كتاب فى التاريخ يتناول فن التراجم والكتابة عن الأعلام والمشاهير، وهنا تأتى الصدمة.. فعندما كنت أقلب صفحات من أكتب عنهم أجد أكثرهم من المحبين والعاشقين الولهين، وكيف كان الحب دافعًا قويًا بحيث جعلهم فى مصاف الأعلام وأشهر الرجال، قصص كثيرة من يتمعنها يقف على معان سامية، وأخلاق رفيعة، وحياة جميلة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان.
يقولون إن الصدفة خير من ألف ميعاد.
أؤيد هذا الرأى بقوة، فالصدفة وحدها قادتنى إلى من أجد فيه الإنسان المخلص الوفى الذى أحبنى، وأشعر أنه يحبنى، الصدفة هى التى دفعتنى لأنْ أخرج من قمقم العزلة القلبية التى خيَّمت على منذ سنوات، إنه الاعجاب المصاحب بالحب، فعندما رأيتها قلت هذه هى من أبحث عنها.
فمواصفاتنا نحن (الصعايدة) فى اختيار من نحب تعلب دورًا كبيرًا، فأغلبنا يرفض تلك الفتاة التى تضع مساحيق كثيرة على خدودها وحول أعينها، وتلبس ما يخدش الحياء، وتتحدث بما ترفضه النفس من العفاف، حتى أصبح من المصعب أن نجد فتاة قاهرية تتمتع بما يطلبه الصعايدة من مواصفات تمثل: القيم الجميلة الراقية التى تربينا عليها، وربانا عليها الإسلام،وحتى نكون منصفين هناك كثير منهن يعشن فى عاصمة المعز قاهرة "الف ليلة وليلة".
إنه الحب الجديد، الذى ينقذك من مستنقع الأوهام الذى كنت فيه، حالمًا بحبيبك القديم الذى تزوج بغيرك، وأنجب أبناء بأسمائك،إنه الحب الذى يجعلك تنبض بالحياة،وتتنفس الصعداء، وَتَرُدّ فيك الحياة من جديد، لتنظر إلى الدنيا نظرة وردية يملئها التفاؤل، والأمل، والنجاح، والصباح المشرق دومًا.
لنبحث عن الحب أو لنترك الصدفة تجمعنا به، وسوف تعرف أنك قد خسرت كثيرًا دون الحب، إنه أساس الحياة وقوتها، فالنحب جميعًا حب يملئه العفاف، والوقار. وكما قال نزار قبانى:
قولى أحبك
كى تزيد وسامتى
فبغير حبك لا أكون جميلا
قولى احبك كى تصير أصابعى
ذهب وتصبح جبهتى قنديلا
ألان قوليها ولا تترددى بعض الهوى
لا يقبل التأجيلا
سأغير التقويم لو أحببتنى
أمحو فصول أو أضيف فصولا
وسينتهى العصر القديم على يدى
وأقيم عاصمة النساء بديلا
ملك أنا لو تصبحين حبيبتى
أغزو الشموس مراكب وخيولا
لا تخجلى منى فهذه فرصتى
لأكون بين العاشقين رسولا
صورة أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة