قليلة للغاية دراسات تحليل الخطاب الإعلامى باللغة العربية، لذلك تظهر كتابات وأحاديث عن الخطاب الإعلامى لا علاقة لها بالأطر النظرية والمنهجية المعروفة عالميا والمستخدمة فى التحليل العلمى للخطاب.
وبداية لابد من التمييز بين الخطابات العامة فى المجتمع، وبين الخطاب الإعلامى الذى لايعدو كونه واحدا منها، لكن أهميته تكمن فى أنه ينقل كل الخطابات سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو نسويا إلى الجمهور من خلال وسائل الإعلام، وفى عملية النقل هذه تصبح كل الخطابات بمعنى ما.. خطابات إعلامية، كما أن النقل الإعلامى فى الغالب لايتسم بالدقة والموضوعية، وإنما يقع فى أخطاء التهوين أو الاختزال أو التضخيم، لذلك لايوجد خطاب إعلامى مماثل للواقع إلا فى حالات نادرة واستثنائية، بكلمات أخرى الخطاب هو مجمل القول والفعل، وهو الممارسة الاجتماعية، ويقوم الخطاب الإعلامى بنقل هذه الممارسة الاجتماعية إلى الجمهور من خلال وسائل إعلام لها تحيزاتها، وقواعد مهنية لها أيضا تحيزاتها للمشاهير وأصحاب السلطة والأحداث الغريبة والمثيرة فى المجتمع، علاوة على التحيزات المعلنة وغير المعلنة للإعلاميين أنفسهم.
الخطاب الإعلامى فى العالم كله لا يخلو من تحيزات، ولكن بدرجات مختلفة، تتضخم هذه التحيزات فى الدول غير الديمقراطية غالبا لتصل إلى مستوى الأكاذيب والدعاية الفجة، وهنا يأتى دور تحليل الخطاب الإعلامى فى كشف ونقد عملية إنتاج وتوزيع واستهلاك الخطاب فى كل مجتمع ومستويات الغش والخداع والتضليل فى أى ممارسة خطابية، ويتفق علماء تحليل الخطاب على عدة عناصر لابد من التركيز عليها فى تحليل أى خطاب، وهى باختصار شديد:
أولاً: الإطار العام للمجتمع ومدى تطوره الديمقراطى وأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ثانياً: ملكية وسائل الإعلام، أى من يملك ويدير وسائل الإعلام، وهل هناك احتكار أم تعددية؟ وما هى مصادر تمويل الإعلام، ومدى الشفافية فى الإعلان عنها ومراقبتها؟ وإلى أى مدى يعتمد الإعلام على الدخل من الإعلان؟
ثالثاً: التشريعات والقوانين التى تنظم العمل الإعلامى والهيئات التى تراقب الأداء الإعلامى، ومدى الشفافية، والحرية التى تتيحها فى أرض الواقع ومن خلال الممارسة اليومية، بحيث لا تكون هناك فروق كبيرة بين ما تنص عليه التشريعات والقوانين، وما يطبق ويمارس فعليا.
رابعاً: مستوى استقلالية وكفاءة التنظيمات النقابية للعاملين فى الإعلام، وإلى أى مدى توفر ضمانات مادية ومعنوية لهم، فى مقابل ضغوط الدولة ورجال الأعمال والإعلان.
خامساً: القواعد المهنية والتقاليد المعمول بها فى وسائل الإعلام المختلفة، وهل تتسم بالدقة والتوازن والشفافية؟ وهل تضمن مشاركة كل العاملين فى إنتاج الخطاب؟ وهل تضمن عدم التمييز ضد بعض الفئات فى المجتمع؟
سادساً: مستوى تعليم وخبرة الإعلاميين ومدى التزامهم بأدلة عمل ومواثيق شرف، فضلا عن مدى احترامهم لحقوق المواطنين فى الاتصال والإعلام.
سابعاً: المستوى التعليمى والثقافى لمستهلكى الخطاب الإعلامى وكيف يتعاملون معه، ومدى مشاركة الجماهير فى إنتاج الخطاب الإعلامى، وتداوله؟ وهل توجد منظمات وهيئات مستقلة تدافع عن حقوق الجمهور فى الاتصال وتضمن مشاركته؟
ثامناً: مدى التعدد والتنوع فى إنتاج وتداول الخطاب، وطبيعة العلاقة بين الخطاب المهيمن، والخطابات الفرعية، وإلى أى مدى تعانى الخطابات الفرعية والمعارضة من القمع والتهميش سواء من السلطة أو الإعلاميين أو حتى الجمهور نفسه.
تاسعاً: التحولات الرئيسية فى الخطاب الإعلامى، لأن دراسة وتحليل التحولات والانقطاعات أهم بكثير من دراسة الاستمرار والثبات فى إنتاج وتداول الخطاب.
عاشراً: إلى أى مدى يعترف الخطاب الإعلامى بأخطائه أو تحيزاته أحيانا، ويتخذ إجراءات جادة لتصحيح مساره، وهل تقوم بذلك السلطة أم هيئات مستقلة وجهات تمثل المجتمع المدنى، أم يقوم بذلك الإعلاميون أنفسهم من خلال التنظيمات والنقابات التى تعبر عنهم؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د.محمد عيسي
مقال علمي اكثر من رائع