علا بركات تكتب: ثقافة الكبت

الثلاثاء، 14 يوليو 2015 12:00 ص
علا بركات تكتب: ثقافة الكبت ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إنه مجتمعنا العربى أو الشرق أوسطى أو الإسلامى أو العالم الثالث لا يهم، المهم أننا نعانى من ثقافة الكبت بدءا من بعد الولادة نجد الفارق بيننا وبين الغرب أننا نجعل المولود يرتدى ملابسه كاملة رغم حرارة الجو عندنا، بينما فى الدول الأوروبية مثلا يتركون الطفل حرا بدون ملابس فى المنزل لفترات طويلة رغم برودة الجو هناك.

وبصرف النظر عن الحياء والتدين والعيب فهذا يساهم كثيرا جدا فى تنمية ثقافة الكبت لدى الأطفال، ثم يكبر الطفل ويبدأ فى طرح الأسئلة التى تنبئ عن الذكاء فتقوم بعض الأسر بممارسة دورها كاملا فى كبت الطفل بمنعه من توجيه أى سؤال أو الرد بإجابات أكثر كبتا مثل: معرفش أو خليك فى اللى انت فيه أو ذاكر أو أى إجابة أخرى لإغلاق سيل الأسئلة فى عقله النهم للمعرفة.

والقياس على ذلك فى كل أنواع الاحتياجات النفسية والجسمانية فى حياة الإنسان حتى إن هناك بعض الأمور التى يحرم الحديث فيها إلا عند الزواج فيؤدى ذلك إلى الاعتقادات والممارسات الخاطئة.

ومن بين تلك المحرمات التى نتجاهلها تماما: رغبة الشباب فى إثبات الذات خاصة فى قيادة السيارات أو الدراجات النارية بسرعات عالية والاشتراك فى المسابقات غير الموجودة أو متوافرة فى بلادنا فلا طرق ولا سيارات ولا أموال تكفى للاشتراك فى مسابقات مثل هذه إن وجدت وبالتالى نجد الشباب يمارس تلك الرغبة فى الطرق العادية، ما يؤدى إلى الحوادث المميتة يوميا.

اركب مع أى سائق ميكروباص على أى خط طويل نسبيا بعيدا عن المدن لتجد نفسك تجلس داخل لعبة من ألعاب البلاى ستيشن، حيث يقود السائق سيارته بسرعة فائقة ويدخل بين السيارات كأنه فى مطاردة تليفزيونية.. ليس هذا من حقه بالطبع ولكن هذا ما يجرى فى دماء الشباب فى فترة من العمر.

فطنت الدول المتقدمة لذلك فخصصت سباقات لكل أنواع الرياضات المعروفة وغير المعروفة، فهناك سباقات سرعة للشباب العادى وليس للمحترفين وهناك سباقات لتكسير السيارات وسباقات للدرجات النارية وسباقات فى الوحل وغيرها، مما نشعر بالغرابة لمجرد مشاهدته نتيجة ثقافة الكبت التى نعانى منها فالأفضل لدينا أن نسن القوانين التى تكبت الشباب على أن نستوعب تلك الطاقات ونستخدمها أو حتى نخرجها فى أماكنها الصحيحة.

لماذا لا يتبنى أحد المستثمرين فكرة إقامة حلبات مسابقات سرعة مجهزة بمضمار وخدمات طبية وإجتماعية وجماهيرية بأسعار معتدلة تعطى كل شاب فرصة ممارسة، وإخراج كل ما لدية من رغبة فى السرعة تجمع سائقى المكروباصات بسياراتهم والتكاتك التى أصبحت أمرا واقعا فى حياتنا والدراجات البخارية، وغيرها كل مجموعة تتسابق فيما بينها فى يوم مخصص لها.. هل يمكن بذلك استيعاب رغباتهم المدفونة فى السرعة، وبالتالى نهدئ منها قليلا فى الطرقات؟

نفس الشىء يتكر مع قصور الثقافة التى منع فيها كل الأنشطة الثقافية المختلفة وتم الاكتفاء بالأنشطة التقليدية القديمة التى لم تعد تجد إقبالا من الشباب مثل الصالونات الأدبية التى يكون سن أغلب الحاضرين فيها فوق الخمسين، ويكون الحديث فيها خطابيا بلغة قد لا يفهمها شباب اليوم، فلا توجد مسرحيات ولا فرق للأغانى ولا ندوات ثقافية لتوعية الشباب بما يريد الكبار لهم أن يفهموه لا ورش عمل لتعليم كتابة القصة أو الصحافة أو الإعلام، لا ندوات شعر أو زجل يقيمها ويديرها الشباب، لا دورات تدريبية فى الفنون مثل الرسم أو الموسيقى إلا فيما ندر الكل، هناك موظفون يمارسون دورهم الثقافى من خلال وظيفتهم التى يذهبون إليها بموعد ويعودون منها بموعد فأصبح كل شىء فيها تقليديا روتينيا مملا جامدا تابعا للوائح واللجان المنبثقة ومسيطرا عليه من قبل الأكبر سنا وألأأقدم وظيفيا.. لا يوجد كل ذلك ولا حتى فى الجامعة، فى أوقات أقدم كان فى كل مدرسة فرق تمثيل وغناء ورياضة أخرجت لنا عمالقة فى تلك المجالات، لكن للأسف انتهى كل ذلك الآن، وأصبحت حصة النشاط مجرد حصة لأى مادة أخرى، فأين يمارس الشاب دوره فى الحياة ويتعلم الثقافة ويصقل موهبته؟

أليس الأفضل أن يتم ذلك تحت سمع وبصر الكبار بدلا من أن ينضم إلى جماعات أو أحزاب أو ألتراس يجد له فيه متنفسا تم منعه منه فى مكانه الطبيعى؟ لو أن كل قصر ثقافة فتح أبوابه لاستيعاب الشباب.. لو أن بكل محافظة تم إنشاء مكان مجهز بالخدمات المطلوبة لسباقات مختلفة، لو أن كل مسئول لم يخش على منصبه وفكر وابتكر ودرس مع الشباب احتياجاتهم ثم نفذ لهم ولو جزءا بسيط منها.. فهل سيكون لدينا الكبت الذى يغرى الشباب بالانضمام إلى من يفهمهم؟ هل ستقل نسبة حوادث الطرق؟ هل سيقل إدمان المخدرات بزيادة ثقافة الشباب؟

هل سيجد الشباب المخرج لبعض طاقاتهم المكبوتة وتفريغ شحنات من الطاقة فى ممارسة الرياضات المختلفة واكتشاف مواهب جديدة فى كل المجالات؟

الكبت الذى نمارسه على الأطفال والشباب من ناحية، والمسلسلات التى تصور البلطجة والمخدرات والإنحراف من ناحية، والإحباط الذى يعيشه معظم الشباب، والأغانى التافهة التى تلغى دور التفكير والعقل والتذوق والذوق العالى.. كل هذه المسميات تساهم بدور كبير فيما نحن فيه الآن من تخبط وثورة بين الشباب لمحاولة إثبات الذات بكل طريقة مشروعة أو غير مشروعة.. فهل سنغير ثقافة الكبت فى القريب العاجل؟.. إذا لم نوحد جهود الدولة فى أسرع وقت فلن يكون هناك حلول لمشاكل كثيرة قادمة سببها الأساسى: ثقافة الكبت.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة