زرت توشكى فى سنوات سابقة مرتين، وهى نموذج للمشروعات القومية المثيرة للجدل، وبمجرد أن تطأ قدماك المنطقة تشعر أن فيه «حاجة غلط»، فالجو أكثر اشتعالا من الخليج والحرارة منذ الصباح الباكر تصل إلى 55 درجة صيفا وأقل منها بقليل شتاءً، ويقفز فى رأسك سؤال: هى مصر لا يوجد فيها غير هذه المنطقة التى تشبه حفرة من جهنم لبعزقة المليارات فى البنية الأساسية وتمهيد الطرق وشق الترعة الرئيسية؟ ألم يكن الأفضل الاتجاه إلى الساحل الشمالى الغربى، حيث الطقس الرائع والأراضى الممهدة والمياه الجوفية؟ ولماذا يتعثر المشروع منذ الإعلان عنه سنة 1979 ولم يأت منه خيرا، رغم الضجة الإعلامية الهائلة التى صاحبته، وصورته على أنه مشروع القرن والقرون القادمة؟
بطل الهجوم على المشروع ببسالة وضراوة كان الأستاذ عباس الطرابيلى رئيس تحرير الوفد الأسبق، وتعرض بسبب ذلك إلى تهديدات كثيرة وصلت إلى حد استدعائه فى مباحث أمن الدولة، وطُلب منه الصمت والسكوت، بحجة أن دولة الإمارات قد تسحب المنحة الكبيرة التى خصصتها للاستثمار فى المنطقة، ولم يطق رئيس الوزراء فى ذلك الوقت الدكتور كمال الحنزورى أى كلمة نقد أو انتقاص من جدوى المشروع، وصورته وسائل الإعلام على أنه سد عالٍ جديد وسيوفر ملايين فرص العمل، وينتج الغذاء الذى يكفى شعب مصر والفائض للتصدير، وحمل آلاف الشباب حقائبهم وذهبوا للمنطقة للحصول بعد الإعلان فى التليفزيون عن أن أجر العامل عدة آلاف جنيه شهريا، فلم يجدوا زراعة ولا إسكانا ولا فرصة عمل من الأساس، وبخروج الجنزورى من الوزارة دخل المشروع طى الكتمان، إلا على فترات متباعدة أشهرها الهجوم على الوليد بن طلال الذى خُصصت له مساحة 200 ألف فدان لم يستزرع منها سوى خمسة آلاف فدان، وترك الباقى تأكله الشمس، وتنازل بعد ذلك عن معظم تلك الأراضى.
لقد تأجلت زيارة رئيس الوزراء إبراهيم محلب لتوشكى بسبب الأحداث الإرهابية، فهل تستطيع الحكومة أن تقدم دراسة علمية حول مستقبل توشكى وخطة الاستفادة منها فى السنوات القادمة.. دراسة متأنية ومحايدة وليست تصريحات صحفية احتفالية، وتجيب عن الأسئلة المحيرة التى أثيرت منذ بدء المشروع حتى الآن، لأنه أضاع من عمر البلد 35 سنة.. ومازال محلك سر!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة