فكرة الوجوب الشرعى من منظور الفقه الحركى للعاملين فى الحركة الإسلامية يختلف عن الوجوب الشرعى من منظور الفقه الإسلامى، فالواجب فى الفقه الإسلامى مستقى من وجوب ألزم به الشارع المخاطب بالشريعة وهو المسلم، فهو حكم شرعى يتصل بالعبادات والمعاملات، وهو واجب يأثم المسلم المخاطب بالشريعة بتركه، ويلزمه فعله على حسب طبيعته، فهناك واجب معجل لا يجوز تأجيله أو تأخيره، وواجب يمكن تأجيله، فالامتناع عن الطعام مثلا مع أذان الفجر هو واجب شرعى من واجبات الصيام لا يمكن تأجيله، بينما واجب الحج يمكن تأجيله لحين الاستطاعة. أما الواجبات التى تتبناها الحركات الإسلامية، وترى أنه «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، وهى قاعدة صحيحة ولكن فى الواجب الذى أوضحناه الذى يخاطب به الشارع المسلم فيما يتصل بالعبادات والمعاملات وهو واجب على كل المسلمين، وذلك الواجب إذا كان تحقيقه لا يتم إلا بمكمل آخر فإن المكمل ذلك يصبح واجبا هو الآخر لإلحاقه بأصله فإذا كانت الصلاة واجبة ولا تتم إلا بالوضوء، فإن الوضوء يكون واجبا، لأن الصلاة لا تتم إلا به، وإذا كان الوضوء واجبا ولا يتم إلا بطهارة من النجاسة والجنابة فإنهما يصبحان واجبين على المسلم وهكذا.
فكل واجب لا يتم إلا بمكمل له، فإن المكمل يأخذ حكم الواجب لتحقيقه، أما الواجب الحركى فأمره مختلف، لأنه موقف حركى لجماعة أو تنظيم يخص أعضاءها وقياداتها وحدهم، وقد يختلف معهم فى تقدير ذلك الواجب غيرهم من حيث السعة والطاقة للأمة، فمثلا الدولة الإسلامية تقول جماعة الإخوان مثلا إنها واجبة، وأن وجوبها ذلك لا يتم إلا بتنظيم وعمل جماعى، ومن ثم يكون العمل الجماعى والتنظيم واجبا، فالوجوب هنا يلزم تلك الجماعة وحدها، فقد تختلف معها جماعات أخرى وتعتبر أن الدولة القائمة هى دولة مسلمة، وأنها تحتاج لإصلاح من داخلها عبر القيام بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فالأزهر مثلا وجماعة التبليغ والدعوة السلفية وتيار كبير ومحترم من المفكرين والقانونيين يرون أن الدولة المصرية مسلمة، وأن قوانينها فى أغلبها متوافقة مع الشريعة ما عدا قليل منها يحتاج لتعديل تشريعى عبر الطرق القانونية السلمية وعبر الجهات المختصة بذلك.
الواجبات الحركية لمن يعملون بالعمل الحركى هى واجبات تخصهم هم ولا يجب أن يلزموا بها الأمة كلها، لأن تلك الواجبات ليست خطاب الشارع للمسلمين، وإنما هى خطابات قادة تلك الجماعات لأعضائها وهى اجتهادهم، وفى مسائل الاجتهاد كما هو معروف فى الأصول لا ينكر الاختلاف، بمعنى أن القضايا الاجتهادية لا تلزم إلا المجتهدين الذين يلزمون أنفسهم وجماعاتهم بذلك، أما أن تفتى بلزوم الأمة اجتهادك وأن تفرض عليها واجبا وتخاطبها بمفروض شرعى لم يفرض عليها، لأن الشارع وحده هو من يفرض ومن يقول ذلك واجب، أو أنه ليس واجبا.
ليس معنى أن علماء يتبعون الموقف الاجتهادى لجماعة الإخوان فيما يتعلق بالموقف من السلطة السياسية فى مصر، أن يكون اجتهادهم وحدهم هو الصواب، فهو اجتهاد فى النهاية، ولا يجوز أن تلزم الأمة به.
ثم من هى الأمة التى يقصدها البيان؟ هل كل المسلمين فى العالم، وأين يقع ذلك الواجب الاجتهادى لجماعة الإخوان وعلمائها ضمن أولويات الوجوب الأخرى المخاطبة به الأمة المسلمة أيضا، مثل تحرير الأقصى وفلسطين مثلا، ومثل الحفاظ على حدود دار المسلمين فى مصر، وكل بلدان العالم العربى والإسلامى، ومثل الإصلاح بين المسلمين ووقف نزيف الدم الذى لا يقف بينهم والحروب الناشبة بينهم وبين بعضهم والتى تهدر مقدرات الأمة وتضعف وجودها، الأمة المسلمة لم يستشرها هؤلاء العلماء ولا جماعتهم فى خوضها لمواجهة غير محسوبة بينها وبين النظام السياسى المصرى والدولة المصرية، بل كان ذلك قرار التنظيم وحده دون الرجوع لمؤسسات، الأمة تحتاج لمن يأخذ بيدها للنهوض العام وليس من يأخذها لحروب لا ناقة لها فيها ولا جمل، يا ويل أمة من علمائها حين يتخذونها وسيلة وأداة لصراعاتهم دون أن تكون مقصودة بحمايتها والحفاظ عليها، ولو كان ذلك على حساب مشاريع تلك الجماعات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة