رغم احترامى وتقديرى الكامل لكل ما نشر عن قضية الإرهاب خلال الفترة الماضية، إلا أننى لست مع التسويق الجاهل والمتعمد لفكرة (أن كل ما يدور حولنا من إرهاب فى كل دول المنطقة، يتعلق بـ "العقيدة" والتدين لدى كل من يدمرون ويقتلون) فى حين أن كل الدلائل تؤكد على ارض الواقع أن كل هذه الجماعات تحركها "دول وأجهزة مخابرات كبرى" هى من تصنع وتدير كل أبعاد المؤامرة فى المنطقة بكل تفاصيلها، بهدف تدمير دول وإسقاط انظمه وإشاعة الفوضى، وإشعال الفتن، وتدمير الأخضر واليابس، والعودة إلى حياة الغاب، بـ"اسم الإسلام وهى الحقيقة التى يعلمها جيدا كل قيادات الأجهزة الأمنية فى كل دول المنطقة التى انفجر فيها بركان الإرهاب عن عمد، إلا أن الجميع يتكتم لاعتبارات تتعلق بعلاقات وسياسات مع كيانات دولية كبرى، وان مجرد الحديث فى هذا الموضوع ولو بالتلميح قد يدخل تلك الدول فى أزمات قد لا تحمد عقباها مع تلك الكيانات الدولية الكبرى .
بدليل ذلك الكيان “الهولامى“ القزم المسمى بـ“داعش” الذين صوروه وسوقوه للعالم على أنه "غول عملاق" قد يبتلع المنطقة، فى حين أن أكثر التقديرات المتفائلة قدرت عدد أفراده بـ 30 ألف مقاتل.. ولا أدرى كيف لعقل أن يستوعب أن 30 ألف مقاتل أى كانت قوتهم وتسليحهم يستطيعون السيطرة على نصف سوريا ونصف العراق؟ إلا إذا كان ذلك التنظيم مدعوما من دول وأجهزة مخابرات دولية تتولى مساندته وتسليحه، وتمهد له الدخول إلى المناطق التى يريدونها، وتوقفه عند الحدود التى يريدونها، وأن الحقيقة التى يعلمها كل ساسة العراق، أنه تم وضع حدود للمناطق المطلوب أن يتواجد فيها هذا التنظيم، تمهيدا لتقسيم وتفتيت الدولة.
ولعل أغرب ما فى قضية الإرهاب التى ظلمت فيها "العقيدة" عن عمد، أنه لم يتوقف أى من المحللين أو الباحثين ويسأل نفسة (من يقاتل من فى سوريا؟ جبهة النصرة تقاتل داعش؟.. أم داعش تقاتل النصرة؟.. أم الجيش الحر يقاتل داعش؟.. أم داعش يقاتل الجيش الحر؟.. أم الجيش النظامى السورى يقاتل داعش؟.. أم النصرة تقاتل الجيش الحر؟.. أم الجيش النظامى السورى يقاتل الجيش الحر؟.. أم عشرات الفصائل والجماعات التى تهنا فى أسمائها تحارب من ضد من، ولمصلحة من؟.. الم يسأل اى منا نفسه من أين تنفق كل هذه الجماعات؟ ومن أين لهم بكل هذه الأموال والأسلحة المتطورة؟.. ولمصلحة من يعرضون أنفسهم للموت يوميا مئات المرات؟.. ألم يسأل أى منا نفسه هل أى من الجماعات المقاتلة فى سوريا تستطيع أن تتحمل تكلفة رجالها وما تطلقه من قذائف وقنابل وطلقات ليوم واحد، أم أن ما يدور فى سوريا لا تستطيع أن تتحمل فاتورته الا خزائن دول، وتديره أجهزة مخابرات، تعلم من تحرك، وأين تحرك، وماذا تهدف إليه فى النهاية؟
الم يسأل أى منا نفسه، لماذا دخل الناتو إلى ليبيا؟ ولماذا اسقط حكم القذافى، على الرغم من أن الموضوع لم يكن يتعلق بالغرب من قريب أو بعيد؟.. ألم يخطر ببال أى من المحللين لماذا ألقت قوات الناتو بكل هذا الكم من السلاح فى ليبيا؟.. الم يتنبه أحد إلى كم الطائرات التى هبطت فى مطار بنغازى وهى تلقى يوميا بآلاف الصناديق المحملة بالأسلحة الحديثة، وتنقلها العدسات إلى العالم على أنها أطنان من المعونات الإنسانية الى الشعب الليبى؟.. الم يسأل أى منا نفسه من يدعم الانقسام فى ليبيا الآن؟.. ألم يلتفت أحد إلى زيارة “عبدالحكيم بالحاج” القيادى الجهادى الليبى، الذى شغل بعد سقوط القذافى منصب الحاكم العسكرى لطرابلس، إلى السودان فى يونيو الماضى، ولقائه عدد من القيادات الجهادية هناك، تحت سمع وبصر الجميع، واتفاقه على تسيير جسر جوى من الأسلحة، ممول من الحكومة القطرية عبر السودان مباشرة إلى "قاعدة معتقيه الجوية" فى قلب العاصمة الليبية، لتوزيعه على الجماعات الجهادية هناك؟.. الم يسال أحد لماذا تدفع قطر كل هذا الكم من الأموال لتمويل صفقة سلاح بهذا الحجم وإمداد الجماعات الجهادية وغير الجهادية فى ليبيا بكل هذا الكم من السلاح؟.. وما مصلحة قطر فى تحويل ليبيا بأيدى أبناءها من دولة إلى بقايا دولة؟.. من يدفع؟.. ولماذا؟.. ولمصلحة من أن تستمر ليبيا فى هذا النفق المظلم؟
أعتقد أنه لا أنصار القذافى، ولا غير أنصار القذافى لهم القدرة على تمويل ما دار، وما يدور فى ليبيا الآن، وان ما تم وما يتم لا قدرة لأحد على تمويله أيضا إلا خزائن دول وأجهزة مخابرات تنفق وتمويل وتصنع جماعات وتخرب وتدمر وتقتل، من أجل أهداف بعينها.
ألم يسأل أى من المحللين نفسه من هم أنصار بيت المقدس أو غيرها من الجماعات التى قامت بمئات العمليات فى مصر خلال العامين الماضيين؟.. ومن الذى يتولى الإنفاق على تلك الجماعات وتمويلها بالأموال والسلاح الذى وصل إلى حد امتلاكهم لمنصات إطلاق صواريخ، وهون، وأسلحة لا تتواجد إلا بحوزة جيوش نظامية ؟.. ولماذا التصميم على تنفيذ مخطط إسقاط الدولة و تعطيل العمل، ومحاولة نسف كل ما هو فى صالح الشعب المصرى؟.. هل من عاقل يمكن أن يتخيل أن ما يدور فى سيناء ومصر الآن يمكن أن يكون بتمويل أشخاص، أم من تمويل دول وأجهزة تخطيط وتنفيذ وكونت ودربت وجهزت وتولت الإشراف على تلك الجماعات لتنفيذ مخطط إسقاط مصر.
لقد سوقت كل الأجهزة الأمنية فى كل الدول العربية وساعدها الإعلام عن جهل، لفكرة أن كل الجماعات الجهادية بما فيها القاعدة وداعش والنصرة وغير النصرة تحارب وتقتل وتدمر من خلال "عقيدة" فى حين إن الأمر "لا علاقة له بعقيدة ولا إسلام" والأمر كله يتعلق بدول وأجهزة تخطط وتمول وتكون وتدرب وتنفذ كل ما يدور حولنا من إرهاب، من اجل السيطرة على ثروات المنطقة، وتشويه الإسلام والمسلمين أمام العالم وتصويرهم على أنهم مجموعات من المتطرفين والإرهابيين والقتلة و"بأيديهم"لا بأيدى من يخططون ويدعمون ويقفون خلف الستار ويصدون "العقيدة" فى واجهة المشهد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة