حينما تحدث الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، عن الاتفاق مع إحدى الشركات المتخصصة فى الإعلام للترويج عن قناة السويس الجديدة، وما تحمله للعالم من خير، وما تمثله من نقلة نوعية فى التجارة العالمية من خلال نشر مقالات مدفوعة الأجر فى وسائل الإعلام الغربى، لم أندهش من هذا الإجراء، ولم أرَ فيه أى خروج عن المألوف فى مثل هذه المناسبات، خاصة أن مكاتبنا الإعلامية الخارجية لم يعد لها أى دور يذكر، وكأنها قد ماتت متأثرة بالإصابة بالسكتة القلبية، وهو ما كان واضحًا وضوح الشمس فى أعقاب ثورة 30 يونيو الشعبية، حيث تعرضت مصر لحملة إعلامية منظمة بتحريض لا يخفى على أحد من جانب التنظيم الدولى للإخوان الذى نجح بالمال، والإنفاق ببذخ فى اختراق وسائل إعلام غربية لها ثقلها على مستوى العالم، بينما كانت مكاتبنا الإعلامية «نايمة فى العسل»، كما أنها- وبكل صراحة- لم تكن على قدر المسؤولية، حيث لم تتمكن من مواجهة هذا التضليل الممنهج، والتشويه المتعمد لصورة مصر، وتقديم صورة مغلوطة عما يحدث على أرض مصر. والغريب فى الأمر أن مكاتبنا
الإعلامية المنتشرة شرقًا وغربًا لم تشعر بالخجل من نفسها وهى تتحفنا من حين لآخر بتقاريرها غير المنطقية التى تشير إلى ما قامت به تلك المكاتب الإعلامية من أنشطة متنوعة فى الخارج، فى حين نجد الإعلام الغربى مُصرًا على التعامل مع مصر بنفس الفكر الإخوانى الذى زيف كل شىء، و«فبرك» أحداثًا لا وجود لها على أرض الواقع، ليعطى للعالم الخارجى انطباعًا بأن مصر تعيش حالة من الفوضى، وأن هناك تجاوزات فى حق النشطاء السياسيين، مما يدفعنى إلى القول بأن الهيئة العامة للاستعلامات فقدت الدور المنوط بها، خاصة فى مسألة التعامل مع الإعلام الدولى بالكفاءة التى يجب أن تكون عليها.
أليست طبيعة عمل البعثات الدبلوماسية المصرية المنتشرة فى شتى أنحاء العالم هى أن تتصدى لتلك الحملات المسمومة التى تتم فى أكثر من مكان، وأن تقدم بالبراهين والأدلة الدامغة، ما يثبت زيف ما يروج له أعضاء تلك الجماعة الارهابية عبر وسائل الإعلام، فلماذا لا تقوم تلك البعثات بأداء أبسط واجباتها؟ ومن المسؤول عن هذا التدهور الكبير فى مستوى أداء الملحقين الإعلاميين فى البعثات الدبلوماسية المنتشرة فى كل مكان.
لذا فإننى لن أكون متجنيًا على أحد إن قلت إن هذا التقاعس من جانب البعثات الدبلوماسية الخارجية لا يقل فى خطورته عن تلك الحماقات التى ارتكبتها الجماعة المحظورة فى حق مصر، فالاثنان أساءا إلى الوطن، ولكن كل جانب قام بتلك الإساءة على طريقته الخاصة.. نعم إن هذا التراجع الكبير فى دور مكاتبنا الإعلامية بالخارج، وتركها الساحة بالكامل لأعداء ثورتنا الشعبية، ولمن يدفع أكثر للإعلام الغربى، يعد جريمة فى حق الوطن، وهى جريمة كبرى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فمكاتب الإعلام المصرى الخارجى أظهرت ضعفًا شديدًا فى آليات التعامل مع وسائل الإعلام الغربية، ولا أدرى، فربما كان هذا
الخلل قد نتج عن عدم وجود استراتيجية واضحة تحدد أساليب مواجهة الحملات المضادة، من خلال تقديم ملفات متكاملة مزودة بالأدلة تؤكد أن ما تبثه الأبواق الإعلامية المؤيدة لفكر الإخوان ما هو إلا أكاذيب وافتراءات، ولنا فيما حدث عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة خير مثال على ضعف ووهن الإعلام المصرى الخارجى، فقد تمكن الإخوان من توصيل صورة مغلوطة عما حدث، وذلك من خلال شراء أصوات إعلامية مؤثرة، فاستطاعوا أن يصدروا للخارج صورة فى غاية السوء عن مصر، وذلك
بالاستعانة بصور ليست حقيقية تم صنعها بـ«الفوتوشوب»، تتضمن مشاهد مأساوية لاستثارة الرأى العام ضد النظام الحاكم فى مصر، فضلاً على ذلك، قيام تلك المؤسسات الإعلامية بنشر تقارير صحفية مغلوطة تفوح منها رائحة الكذب المفضوح، خاصة أن بعض تلك الصحف كانت تدفع مراسليها للتركيز على الجوانب السلبية التى تقدم صورة مخالفة للواقع، وهو ما يطلق عليه الإعلام المصنوع والموجه لخدمة أغراض ومصالح معينة.
واللافت للنظر أن أداء عدد كبير من البعثات الدبلوماسية المنتشرة فى الدول الأجنبية، بل العربية أيضًا، لم يكن على نفس الأداء السريع جدًا الذى تبدو عليه القيادة السياسية، فها هو الرئيس عبدالفتاح السيسى يتحرك فى كل الاتجاهات شرقًا وغربًا فى محاولة جادة لإعادة مصر إلى دورها المحورى فى المنطقة بالكامل، بل وضع «المحروسة» فى قلب الأحداث كلاعب رئيسى فى تهدئة الأوضاع فى المنطقة العربية، بل فى العالم أيضًا، إلا أنه فى الوقت نفسه نجد مكاتب الإعلام فى سفاراتنا بالخارج ما تزال تسير بخطى بطيئة للغاية، وبعيدة كل البعد عما نلمسه ونراه رأى العين فيما يجرى على الساحة الدولية، كما أن الغالبية العظمى من تلك المكاتب الإعلامية قد تهالكت، ولم تعد صالحة للعمل وفق منظومة الإعلام الدولى بما تفرضه روح العصر الحديث.
أعلم جيدًا أن البعثات الدبلوماسية قد عاشت خلال السنوات الأخيرة أجواء معبأة بالتوتر والفوضى، وعدم وضوح الرؤية، لكن هذا ليس مبررًا لأن نظل نضع أيدينا فى الماء البارد، ونترك الإعلام الغربى «غير الموضوعى» يصول ويجول وينهش فى جسد مصر التى شاء حظها العاثر أن تصبح فى مرمى الإعلام الدولى «الخبيث» المدفوع الأجر الذى تربطه بالتنظيم الدولى للإخوان علاقات مشبوهة.
وعلى الرغم من تلك الصورة الضبابية للمشهد الراهن لما آل إليه حالنا من حيث الوجود الإعلامى المصرى الضعيف جدًا فى الخارج، فإن هناك طاقة نور تلوح فى الأفق، وأستشعر بصيص أمل فى الإصلاح، تتشكل ملامحه الآن تزامنًا مع قيام الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخرًا باعتماد أكبر حركة تغييرات فى وزارة الخارجية، وهو ما أتمنى أن يكون نواة حقيقية لتغيير جذرى فى أداء البعثات
الدبلوماسية، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بمسألة مخاطبة الإعلام الخارجى وفق معطيات المرحلة الراهنة، باعتبار أن المكاتب الإعلامة تمثل جزءًا لا يتجزأ من منظومة العمل الدبلوماسى فى شتى أنحاء العالم، على الرغم من أن هذه المكاتب الإعلامية لا تتبع وزارة الخارجية، إنما هى أحد المكونات الرئيسية للهيئة العامة للاستعلامات التى تتبع الآن رئاسة الجمهورية مباشرة بعد فصلها عن وزارة الإعلام.
المسألة ليست صعبة ولا مستحيلة فقط، نحن فى حاجة إلى وقفة مع أداء الإعلام الخارجى، وأن تتم
«غربلة» تلك المكاتب المنتشرة فى جميع أنحاء العالم، وتقييم أداء كل منها على حدة، وأن يكون هناك مبدأ الثواب والعقاب، ففى هذه الحالة سيكون البقاء للأصلح وللأفضل القادر على مواجهة حملات التضليل والزيف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة