ورغم أن الكتاب تمت طباعته منذ قرابة الأربعين عاما، لكنه على ذلك يظل محتفظا بدهشته، فـ"غالى شكرى" يضع "مثقفى اليمين" فى خندق "المسائلة" ويكسر التيمة الدائمة القائلة بأن اليسارين يرتكبون كل فاحشة فى حق الثقافة، هو هنا يكشف أننا لم ننظر أبدا فى الأرشيف السرى لكبار مثقفينا الذين وقفوا على يمين الدولة يمدون أيديهم فى انتظار ما تجود يه "السلطة"عليهم.
فى الكتاب لم يكن "غالى شكرى" مدافعا عن أحد بصورة شخصية لكنه يدين "اليمين الثقافى" ويدافع عن "الانتماء لليسار"، يراهن أن هناك ملفا ممنوعا من الفتح بالمعنى الحقيقى وليس بالمعنى "السلبى" الذى قصده "توفيق الحكيم فى كتابه "عودة الوعى"، وعلى هذا يرى "غالى شكرى أننا بحاجة إلى كل قراءة الأرشيف السرى للمثقفين خاصة الذين كانت لهم علاقة بالدولة فى عصرى "ناصر" و"السادات" خاصة أن التفاوت بين العصرين صنع مساحة كبيرة للتنوع.
السلبية.. توفيق الحكيم
ليست السلبية هى السمة الوحيدة التى كشف غالى شكرى لدى المثقفين عنها لدى مثقفى النظام، وحظى توفيق الحكيم بالجانب الأبرز فى هذا الإطار، فهو الداعية الأكبر لما سمى بـ"المستبد العادل"، ويظهر ذلك فى دفاع الدولة الناصرية عنه ومنحه وسام الجمهورية ومقولة جمال عبدالناصر بأنه تأثر برواية "عودة الروح" فى تفكيره وتحقيقه للثورة.
والسلبية يرصدها "غالى شكرى" فى رفض "الحكيم" طلب نجيب محفوظ بالتدخل لدى الرئيس للإفراج عن بعض الكتاب المقبوض عليهم، حينها قال توفيق الحكيم "يا نجيب دول بيقبضوا عليهم لأسباب ملهاش علاقة بالفكر والأدب.. دول ليهم صفتين صفة المثقف وصفة السياسى إحنا ندافع عن المثقفين، لكن الناس اللى عايزه السلطة مالنا ومالهم؟».
وتمثلت السلبية أيضا، كما يرى غالى شكرى، فى الأفكار الهدامة التى تزعمها "أنيس منصور" والتى تصل لحد "العنصرية" وتغيب الشعب، فقد مثل أنيس منصور من خلال أعماله "الذين صعدوا إلى السماء" كموضوع يتوازى من حدث صعود الإنسان على القمرو ومن بعض القصص خاصة تلك التى تتحدث عن الفتاة التى ركبت معه فى سيارته، وكتشف أنها من الأموات وقبرها مازال موجودا، فكان يسفه الأفكار الكبيرة المشغول بها العالم، ويعمل على تشويه الوعى لدى المجتمع.
العمالة.. سميح القاسم وإحسان عبد القدوس
يصب غالى شكرى جام غضبه على "أخبار اليوم" ويزعم بأنها تأسست بتمويل من المخابرات المركزية الأمريكية.. ويذهب إلى أن "الإخوان أمين" كما يطلق عليهما كانا ينفذان أجندة أمريكية، وذلك باعتراف مصطفى أمين فى التحقيقات التى انتهت بمحاكمته وإدانته، فيكتب غالى شكرى، "ولم يعد سرا أن مصطفى أمين قد اعترف، فى التحقيقات التى انتهت بمحاكمته وإدانته أن "دار أخبار اليوم" تملك جهازا للمعلومات يعتمد على مصادر موثوقة محلية وأجنبية، وأن هذا الجهاز يتبادل المعلومات مع الأجهزة الأخرى المحلية والأجنبية، وكان واضحا من التحقيق أن التنظيمات الشيوعية المصرية هدف رئيسى لهذا الجهاز، فلديه أسماء الشيوعيين ووظائفهم وأحوالهم الاجتماعية وتحركاتهم.
ويضيف غالى شكرى فى كتابه، من المؤكد أن الحقائب الأربع التى سربها مصطفى أمين – باعترافه - إلى شقيقه التوأم فى لندن عن طريق السفارة الأمريكية فى القاهرة، لم تكن تحتوى على رسائل غرامية.." ذروة القبح أن تكون دار ثقافية تمارس دور التجسس والعاملة ليس للنظام بل الآخر المعادى، فهنا لم تكن هذه المؤسسة أكثر من نقطة ارتباط معلوماتى للأمريكى، الذى يعمل جاهدا على ضرب كل ما هو وطنى وقومى.
بل وصل الأمر لـ"غالى شكرى" أن رأى أن "الإخوان أمين" استغلا عباس محمود العقاد الذى لم يكن مأجورا فى اعتقاداته، وفتحا له أبواب مؤسسة فرانكلين ومكتب الاستعلامات الأمريكى وأصبحا همزة الوصل بين العقاد والأجهزة الأمريكية، ويضيف "كان العقاد طاقة ضخمة، وكان مؤمنا بما يقول، ليس مأجورا فى معتقداته، ولكن هذه "المعتقدات" وجدت هوى لدى التوأمين فأسسا "المختار" لزكى عبد القادر، وأصبحا همزة الوصل بين العقاد والأجهزة الأمريكية.
كما يؤكد غالى شكرى فى كتابه أن الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس أول من استجاب لدعوة إقامة علاقات طبيعية مع الاحتلال الصهيونى، حين نشر فى عدد "الأهرام" 1974 مقالًا رأى أن "كسينجر" وزير الخارجية الأمريكى الأسبق صديق ويدير حوارًا بمنطق الاعتراف والصلح مع إسرائيل مغفلًا وجود المقاومة الفلسطينية، بل وصل به الأمر إلى إدانة هذه المقاومة واتهامها بالإرهاب وقتل المدنيين.
ويقف غالى شكرى كثيرا عند "البيان" الذى تم توقيعه من الكتاب العرب واليهود مواطنى إسرائيل وتوجهوا به إلى شعوب المنطقة والعالم للعمل، على حد قولهم، معا وبصورة فردية على إيقاف جميع أعمال الإرهاب والعنف نهائيًا ضد النساء والأطفال، خاصة ضد السكان المدنيين عامة"، ويصل البيان إلى الرسالة الحقيقية التى يقصدها وهى إدانة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيونى والدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل، وقد وقع على البيان كل من حنا إبراهيم، وعصام العباسى، وسالم جيران? ونزيه خير، وسميح القاسم، الذى عاد وسحب توقيعه على البيان بعد أن أدانه مواطنه الشاعر الفلسطينى توفيق زياد.
وسناء حسن المصرية الأمريكية التى ذهبت إلى إسرائيل تحمل أرشيفا مهما استولت عليه من مؤسسة الأهرام كما ذكر غالى شكرى والتى تقريبا تورط الجميع معها، ذهب إلى إسرائيل كي تخبرهم لست وحدى التى ترحب بإسرائيل بل لدى العديد من الكتاب والمثقفين المصريين.
الانقلابيون.. الحكيم وصالح جودت
لم يستخدم غالى شكرى لفظة الانقلاب لكنه هى اللفظة الوحيدة المعبرة عما فعله كل من توفيق الحكيم وصالح جودت، فتوفيق الحكيم الذى كان محسوبا على عبد الناصر والذى كتب من "عودة الروح" كتب فى عهد السادات "عودة الوعى" والذى يصف فيها جمال عبد الناصر بأبشع التهم والخطايا.
بينما صالح جودت الذى كان معروفا عنه أنه يكره ناصر كتب تحت تأثير العرض المغرى من أمير كويتى كتابا فى مدح عبد الناصر والأدهى على حد زعم، غالى شكرى، أنه سجل الكتاب على "أشرطة كاسيت" قبل أن يعود وينقلب مرة ثانية على "ناصر" لصالح السادات.
أما الكاتب العراقى الكبير محمد مهدى الجواهرى فمن خلال أزمته والتى تمثل شخصيته جزءا منها عانى الأمرين أثناء زيارته لمصر فى بداية السبعينيات ويكشف "غالى شكرى" كيف تم التأمر عليه من وزارة الثقافة ومن رئاسة الجمهورية نفسها، التى وعدته ثم تخلت عنه.
موضوعات متعلقة..
أئمة الكراهية فى الغرب
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة