أسوأ ما يصيب الدولة أن تحكمها حكومة قليلة الحيلة تعترف بالمصائب ولا توقفها. تشاهد الكوارث و«تولول» عليها. فإذا كان رئيس الوزراء غاضبا، ووزير الصحة غاضبا، والأطباء غاضبين، فمن يملك قرار إصلاح الخدمات الصحية فى مصر، هل سيصلحه غضب وعويل المسؤولين أم زيارتهم البائسة إلى مستشفيات الدولة المتهالكة وبكائهم أمام الإعلام على حالة المواطنين؟ فهل يرضون ضميرهم بهذا البكاء أم يعتقدون أنه حل!! وهل علينا أن نأخذ بخاطرهم ونتحايل عليهم، ونرقص لهم «عشرة بلدى» حتى تعود ضحكتهم الحلوة، أم نجلس نبكى بجانبهم إلى أن «يحلها حلال»؟ فإذا كان رجال الدولة وكبار المسؤولين لا يملكون إلا البكاء فهل على الغلابة أن يدفنوا أنفسهم تحت التراب. وهل وظيفة الحكومة العياط والعويل أم الإصلاح والتغيير؟ وهل كان يخفى على المسؤولين مثلا مصائب معهد القلب وشكاوى كل من فيه مرضى أو أطباء. هل كان رئيس الوزراء يتصور أنه صرح للرعاية والنظافة وخدمة المساكين.
منذ سنوات طويلة وكلنا نعرف أن المستشفيات العامة منيلة بنيلة. أذكر أن صديقى الدكتور خالد وهبة، أخصائى القلب المعروف، طالما حكى لى عن المهازل التى تحدث فى معهد القلب، حتى أنه كان يستحرم أن يأخذ راتبه من المعهد، لأنه لا يقدم للمرضى خدمة حقيقية، وجاءنى سعيدا منذ عامين، لأنه أخذ إجازة بدون مرتب قال لى وقتها قد أعود إليه يوما حينما تأتيه إدارة تحترم آدمية الطبيب والمريض. ونحن نريد حكومة تحترم ذلك أيضا. فلا يكفى أن تزور وتولول على اللبن المسكوب ولا سيحل. المشكلة أن ننفق مئات الآلاف لنعد مكتبا لمعالى وزير الصحة فى كل مستشفى حكومية. الحل الوحيد أن يتم رفع ميزانية الصحة فى أروقة الحكومة، وأن يصبح تحسين الخدمات الصحية العامة هدفا أساسيا له برنامج زمنى محدد وليس مجرد وعود وحكاوى. وتحسين وتطوير المستشفيات لا يحتاج معجزة أو ناظرا بعصاية، بل يحتاج ميزانية جيدة ورقابة صارمة، وخبراء فى إدارة المستشفيات، والأهم روح شابة عندها القدرة على التغيير والابتكار. أما النحيب والعويل والاستمرار فى الاستعانة بالخبرات القديمة والمدارس العتيقة فلن يؤدى إلا لما نحن فيه. وعلى شباب الأطباء الذين تبنوا حملة «علشان لو جه ميتفاجئش» أن يتبنوا حملة موازية باسم «علشان متقولش معرفتش»، يطرحون فيها حلولا وخططا ومقترحات الإصلاح والتطوير، فقد تجد فيها الحكومة ما يجعلها تكف عن النحيب والبكاء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة