يبحث مشروع على أحمد سعيد إسبر، المشهور باسم أدونيس، فى جذور «الاتباع والإبداع» فى الثقافة العربية- الإسلامية، ليحدد البنية الفكرية المسؤولة عن هذين النقيضين، ويقول أدونيس إنه بدأ بدراسة الشعر العربى من الجاهلى حتى الحرب العالمية الأولى، فوجد أنه بذاته لا يفسر الاتباعية فى الحياة العربية، ثم بحث عنها فى الرؤية الدينية الإسلامية، خاصة بعد أن ثبت لديه أنه لا يمكن فهم الرؤية الشعرية العربية ذاتها بمعزل عن الرؤية الدينية، نظرا لأن «الظاهرة الشعرية جزء من الكل الحضارى العربى، لا يفسرها الشعر ذاته، بقدر ما يفسرها المبنى الدينى لهذا الكل»، وهنا توافرت لديه فرصة تعيين «الثابت والمتحول» فى العطاء الحضارى العربى الإسلامى، وعلى هذا الأساس يعرف أدونيس، فى كتابه الذى هو فى الأصل أطروحة للدكتوراه، الثابت فى إطار الثقافة العربية بأنه «الفكر الذى ينهض على النص، ويتخذ من ثباته حجة لثباته هو، فهما وتقويما، ويفرض نفسه بوصفه المعنى الوحيد الصحيح لهذا النص، وبوصفه، استنادا إلى ذلك سلطة معرفية»، بينما يكون المتحول هو «إما الفكر الذى ينهض هو أيضا على النص، لكن بتأويل يجعل النص قابلا للتكييف مع الواقع وتجدده، وإما أنه الفكر الذى لا يرى فى النص أى مرجعية، ويعتمد أساسا على العقل لا النقل».
ويخصص أدونيس القسم الأول من مشروعه لدراسة مظاهر الثبات والتحول منذ نشوء الإسلام وحتى منتصف القرن الثانى الهجرى، التى تتأسس فى بداية الدعوة الإسلامية بين الدين والشعر، وبين الخلافة الأولى والسياسة من جهة، وبينها والثقافة بعامة من جهة ثانية، وتتجلى مظاهر الثبات فى العصبية والسياسة، وفى الشعر واللغة، وفى السنة والفقه، وفى المقابل تظهر تجليات المتحول فى الحركات الثورية والفكرية والشعرية، والصعلكة الاقتصادية- السياسية، والقسم الثانى، يعرض مظاهر الثبات فى مفاهيم القديم والسنة والإجماع والبدعة، وفى تنظير الأصول الدينية- السياسية، والأصول اللغوية- الشعرية، وفى المقابل يقدم مظاهر التحول فى الحركات الثورية (القرامطة- الزنج)، وفى المنهج التجريبى، وإبطال النبوة، وأولية العقل على النقل، حسبما ذهب المعتزلة، وأولية الحقيقة على الشريعة، والباطن على الظاهر، كما تجلى فى التصوف ونظرية الإمامة، أما القسم الثالث فقد خصص لدراسة نماذج من الفقهاء التراثيين، وفقهاء عصر النهضة العربى، فى ضوء ما تعرف بـ«صدمة الحداثة» بألسنتهم جميعا، والتراثيون هم القاضى عبدالجبار المعتزلى، وأبو حامد الغزالى، وابن تيمية، والفارابى، وفى عصر النهضة يعرض آراء محمد بن عبدالوهاب، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وعبد الرحمن الكواكبى، وتناول الجزء الرابع الحداثة فى مجال الشعر العربى من خلال مجموعة مقالات متتابعة، وبذلك يكون أدونيس قد فرق، فكريا وليس زمنيا، بين الحداثى والسلفى، ففى التراث هناك عناصر حداثية مرتبطة بالتحول، وفى المعاصرة هناك عناصر سلفية مرتبطة بالثبات، فالسلفية لديه هى «امتداد للثبات، ينطلق من افتراض الكمال فى المعرفة بالنص والنقل، بحيث لا يعود للحداثة معنى فى لغة حققت إبداعها الأكمل، الذى لا يمكن تجاوزه، وبذلك تنتفى الحاجة إلى الفكر الآخر، وإلى الابتداع معا.. وما يحتاجه المجتمع هنا هو جعل الماضى حاضرا باستمرار، أما الحداثة فهى «امتداد للتحول، تنطلق من افتراض نقص أو غياب معرفى فى الماضى، ويعوض بنقل فكر ما ومعرفة ما من هذه اللغة الأجنبية أو تلك، وإما بالابتكار والإبداع.. ولذا فهى قول المجهول وقبول بلانهائية المعرفة».. ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى.
د. عمار على حسن
«الثابت والمتحول».. محاولة جريئة لتحقيق الإصلاح الدينى المنشود «1 - 6»
الأربعاء، 10 يونيو 2015 11:02 م
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة