إقحام عنصر المفاجأة ضمن ردود الأفعال على التغييرات التى أجراها مؤخرًا خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز، قطعا لا يتفق مع قراءة المتابعين لسرعة تحرك المملكة السعودية الحاسم إزاء كل المتغيرات الإقليمية والعربية خلال الأعوام الماضية. هذا التغيير فى سرعة إيقاع تحركات المملكة سياسيًا ودبلوماسيًا تجاه كل الأخطار التى استشعرت تهديدها للمنطقة العربية، كان لا بد أن يواكبه إعادة هيكلة سريعة تفرض مساحة فصل بين موروث تقاليد للحكم أرساها الملك المؤسس ولعبت دور صمام الأمان فى حفظ استقرار المملكة وبين هذه المتغيرات التى عصفت بالعديد من الأنظمة منذ الغزو العراقى للكويت عام 1990.
على الجانب الآخر، أكدت القرارات الأخيرة دقة رصد المملكة لكل تداعيات هذه التغييرات العربية منذ عام 2011، حيث ظهر ذلك واضحًا فى قوة موقفها الداعم لثورة 30 يونيو، وسرعة المطالبة والعمل على تفعيل الدعوات إلى إقامة تحالفات عربية سياسية وعسكرية، وتبنى مواقف أكثر تعبيرًا سواء عن المصالح السعودية أو العربية مع الحلفاء الدوليين.. إلى آخر هذه الإشارات التى جعلت ظهور الجيل الثالث من أحفاد مؤسس المملكة أمرًا متوقعًا وطبيعيًا فى سياق دور سياسى مؤثر اختارته بهدف إنقاذ المنطقة من مخاطر تهدد الأخضر واليابس.
تبقى مزاعم وجود "انقلاب" أو "خلافات" مجرد تكهنات لا ترتقى إلى المستوى المنطقى للدوافع وراء هذه التغييرات.. أولاً المملكة تدرك جيدًا أن أى خلاف أو صراعات مزعومة بين أفراد العائلة المالكة لن يكون "إنتقائيًا" بمعنى امتداد آثاره السلبية إلى كل المملكة، بل قد يهدد استقرار منطقة الخليج العربى بأسرها. ثانيًا تطور أدوات وقواعد الحرب من النمط التقليدى إلى حروب الجيل الرابع.. يفرض منطقيًا استدعاء جيل ثالث إلى الصفوف الأمامية من الحكم-تحديدًا فى المواقع الأمنية والعسكرية- كونه الأقدر على فهم طبيعة هذا التطور والتعامل وفق قواعده.
سياسيًا.. التحديات الأمنية المحيطة حاليًا بالمنطقة، وتصاعد الدور المؤثر للمملكة أيضًا يفرضان وجود جيل من القادة الشباب الأقوياء.. جيل يتقن "لغة" و"مفاتيح" إدارة التفاوض السياسى مع حكام دول العالم بما يدعم استقلالية القرار السعودى ويضمن صالح منطقته العربية.. جيل أقدر على امتلاك زمام المبادرة التفاوضية والقدرة على الإقناع، كما حدث مؤخرًا مع قيام ولى العهد الأمير محمد بن نايف بالدور الأكبر فى مسئولية إقناع أمريكا ضرورة دعم عملية "عاصفة الحزم" رغم حالة"الغزل" السياسى بين إدارة البيت الأبيض وإيران.. وكما سيحدث مع الجيل الجديد الذى سيلبى دعوة أوباما إلى قمة مع قادة دول الخليج فى كامب ديفيد لبحث التطورات الأمنية والسياسية فى المنطقة.
بعيدًا عن "أوهام" مستوحاة من "الخيال" السياسى للبعض.. لا يمكن وضع التغييرات الملكية فى السعودية إلا فى إطار كونها أفضل تعبير عن قواعد "اللعبة" السياسية الحالية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة