عندما ظهر شعراء ما يسمى اصطلاحا «جيل السبعينيات» كان الشاعر الراحل أمل دنقل هو الأب المراد قتله جماليا والثورة على منجزه الشعرى الباهر ومتعدد الروافد. كان صلاح عبدالصبور فى مرحلة اكتئابه ويأسه التى أفضت به إلى التوقف عن الكتابة ثم الرحيل المفاجئ، وأحمد حجازى فى فرنسا منشغلا بتحصيل كل ما فاته إلا الشعر، فقد كان مطمئنا اطمئنانا أعمى إلى ما حققه من إسهام، مكتفيا باجتراره فى المهرجانات والمناوشات الأدبية.
أمل دنقل وصنوه عفيفى مطر وحدهما رغم الاختلاف الكبير فى المنطلقات الجمالية لكل منهما، كانا متجددين خلاقين يشقان دروبا جديدة ويضيفان باستمرا أراضٍ غير مأهولة لما اكتشفاه، لكن تغريبة عفيفى مطر الأولى إلى العراق جعلته بعيدا عن مرمى ثورة الثائرين المتحمسين لقصيدة جديدة بكثير من الضجيج والاستعراض وبالنذر اليسير من الاكتشافات الجمالية الأصيلة، وكان المستهدف هو أمل دنقل.
كان يمكن تفهم هذه الثورة المحمومة من مجموعة شعراء صغار طالعين فى النصف الثانى من السبعينيات ضد النموذج الأكثر نضجا واكتمالا ضمن قصيدة التفعيلة العربية، بعد أن بدأت سطوته الجمالية تنتج مقلدين ومريدين وأشباها لا يطاولون ساقيه، لكن ما لا يمكن فهمه أن تظل الثورة مشتعلة فى قلوب ووجدان وعقول هؤلاء الشعراء، رغم مرض أمل وغيابه، ورغم مرور أكثر من ثلاثين عاما على هذا الغياب الفادح، وكأنهم ثبتوا الزمن بإرادتهم ليظلوا عند النقطة التى بدأوا منها رافعين شعار «أدونيسيون لا دنقليون».
يغيب أمل ويكتمل تاركا لنا دواوينه الستة بعوالمها المتباينة وآفاقها الرحبة، مؤكدا على مجموعة قيم جمالية فى مقدمتها، أن الشاعر هو صوت العالم وضميره وضوؤه الكاشف وحلمه الباقى، مفسحا المجال منذ اثنين وثلاثين عاما لكل من هاجموه ووصموا قصيدته، وقللوا من شأنها وتأثيرها وقيمتها الجمالية، لأن يقدموا عطاءهم الشعرى الأكثر إبهارا وثورة، ليحققوا ما وعدوا به فى بياناتهم العصماء، ويعبدوا الطرق الجديدة فى غابات الشعر اللانهائية، وليصنعوا أسماءهم بفتوحات جمالية ترتبط بالسنوات التى يملؤونها ضجيجا وعدوانية، فهل فعلوا بعد أن أخذوا فرصتهم كاملة؟ هل فعلوا بعد أن فتحت أمامهم أبواب الصحف للثرثرة وأبواب الدوريات ودور النشر لطباعة كل ما يعن لهم تافها كان أو مقبولا؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالرازق يوسف
تحية لأمل دنقل فى ذكراه