"افتح قلبك مع د.هبة يس".. أمى تغار منى!

الأربعاء، 27 مايو 2015 01:03 م
"افتح قلبك مع د.هبة يس".. أمى تغار منى! الدكتورة هبة يس

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أرسلت ( ف ) إلى افتح قلبك تقول:



أنا طالبة فى إحدى كليات القمة، أرى نفسى عادية الجمال، لكنى مهتمة بنفسى جدًا، لهذا أبدو دائمًا مميزة بين الآخرين، علاقاتى بالجميع جيدة جدًا والحمد لله، فيما عدا أمى، والتى من المفترض أن تكون أقرب إنسانة إلى قلبى، على الأقل لأننى أنا البنت الوحيدة بين أولادها، لكن هذا لم يحدث بكل أسف.

والدى مستواه المادى مرتفع والحمد لله، وهو كريم بطبعه، وأضيفى إلى ذلك أننى ابنته (الوحيدة) لهذا فقد كنت فتاته المدللة طوال حياتى، كل طلباتى مجابة، دخلت أرقى المدارس، وأرتدى أغلى الملابس، وأقتنى أفضل الأشياء دائمًا، ما كان يثير غيرة أمى منى منذ صغرى، طبعًا لم أكن أفهم أنها تغار عندما كنت صغيرة، لكننى بدأت أدرك وأستوعب مع الوقت، فقد كانت دائمة السخرية من أبى، والشجار معه بسبب اهتمامه بى، وطالما اتهمته بالسفه وقلة العقل كلما لبى لى طلبًا، مع العلم أنه ليس كذلك إطلاقًا، كذلك أنا لا أطلب أشياء مبالغ فيها، أو زائدة عن الحد، أنا فقط أعيش كغيرى من الفتيات فى مستوانا المادى والاجتماعى، لا أكثر ولا أقل، لكن أما تربت في بيت محدود الإمكانيات إلى حد بعيد، كما أن والديها لم يكونا مهتمين بها أو بأحد من أخواتها، لهذا فهى نشأت على ألا تطلب شيئًا، وإن طلبت فهى تتوقع الرفض أكثر من القبول، لهذا هى تعاملنى بنفس المنطق، وتنتظر من أبى المثل أيضًا، وتسخر منه وتقرعه إن لم يفعل، ثم تصب كل غيرتها على رأسى فى النهاية، (فتسمم بدنى) فى كل مناسبة وعلى أى شىء.. (لما كنت فى سنك عمرى ما لبست حاجة بالسعر ده)، (لما كنت قدك مكنتش أجرؤ أطلب كذا)، (أصل انتى دلوعة ومرفهة ومش عارفة قيمة الحاجة إللى فى إيدك).. حتى عندما نجحت فى الثانوية العامة بمجموع عالٍ، ودخلت كلية قمة، كان ردها أن ذلك لم يكن بشطارتى أو بمجهودى، ولكن بسبب (المدارس النضيفة) و(الدروس الخصوصية) التي وفرها لى أبى.

كل هذا اعتدت عليه وأصبح متوقعًا بالنسبة لى، لكن الأمر تأزم بشكل غير مسبوق هذه الأيام، فبالإضافة إلى تعليقاتها اللاذعة، وكلماتها المسمومة طوال الوقت، ظهر ما هو أكثر.. لقد أصبحت أمى تقلدنى!، أصبحت تشترى مثل ملابسى وأحذيتى، وتضع على رأسها حجابًا مثل حجابى، بل وتضع مساحيق التجميل كما أضعها أنا بالضبط، وكأنها تريد أن تكون نسخة منى، متناسية أن بيننا فارق عمرى يقارب الـ25 عامًا!.

كل هذا لا يعنينى بقدر ما يعنينى البعد النفسى بيننا، فهى تتعامل معى وكأننى منافسة لها، لا كابنتها، لهذا فأنا لا أستطيع فتح قلبى لها والتحدث معها عن أى شىء، خشية أن تنتقدنى وتتشفى منى وفقط، دون أن أخرج منها بأى شىء مما تعمله الأمهات لبناتهن.

مؤخرًا اقترب منى أحد زملائى فى الكلية، وأبدى لى رغبته فى أن يتقدم لطلب يدى بعد انتهاء الامتحانات هذا العام، لكنى أخشى أن أفاتح أمى فى هذا الموضوع، تحسبًا لأن يشعل ذلك غيرتها وتذهب لتبحث عن عريس لها هى الأخرى.. تخيلى!.

وإليك أقول:



طبعًا ما تعانيه أمر غير طبيعى بالمرة، وإن كان الإحساس بالغيرة من المشاعر الطبيعية لدى النساء عمومًا، فقد تغار الفتاة من صديقتها، أختها، جارتها، وقد يحدث ذلك مع ابنتها أحيانا -فى مرات قليلة- لكن ليس بهذه الصورة الصارخة التى تحكين عنها.

لكن إذا عرف السبب بطل العجب، فاذا فهمتى لماذا تتصرف والدتك معك بهذه الطريقة، ستنظرين إليها بعين مختلفة، لن تعتبريها (جانى)، بل ستتعاملين معها على أنها (مجنى عليه)، وبالتالى لن تتضايقى منها بهذا الشكل، وستعذريها فى أحيان كثيرة.

والدتك تشعر بهذه المشاعر، وتتصرف بهذه الطريقة لسببين أساسيين:


1) طريقة تربيتها، والبيئة محدودة الموارد التي نشأت فيها، ولا أقصد هنا بالموارد المحدودة "الماديات فقط"، بل أقصد المشاعر والاهتمام أيضًا، فأمك افتقدت إلى من يشعرها بأن حاجاتها معتبرة ومحترمة ولها أهميتها، حتى وإن لم يكن هناك سبيل لتحقيقها كلها، لهذا فهى لا تتعجب فقط من رفاهيتك المادية، بل من اهتمام والدك بك، الشىء الذى حرمت منه طوال حياتها، وظنت أنه درب من دروب الخيال.

وهذا السبب أنت تعرفيه، لكن لا تدركين حجم تأثيره على نفسيتها، فتخيلى مثلا أنك أنت نشأتى لا تأكلين غير الفول، وظللتى فترة من حياتك تعتقدين أن أكل اللحوم هذا أمر صعب وبعيد المنال، فيأستى من طلبه والتفكير فيه، ثم وبعد مرور سنوات من عمرك على هذا الحال تفاجئين بجارة لك تأكل اللحم ليل نهار، ومن أفخر الأنواع، ودون أن تطلب، وهى أصغر منك فى السن وفى القدر.. كيف سيكون شعورك حينها؟، هذا هو بالضبط ما تشعر به أمك نحوك، فالأمر ليس له علاقة بك أنت كشخص، فالمشكلة هى أنك أنت (النموذج) التى كانت تحلم به أمك وتتمناه، والتى يأست من تحقيقه والوصول إليه.

2) بما إنك فتاة جامعية، وبما إن الفارق بينك وبين أمك حوالى 25 سنة، إذن فعمر والدتك سيكون 45 سنة تقريبًا، وهذا العمر كثيرًا ما يحدث فيه أزمة نفسية تسمى بأزمة (منتصف العمر).. الكل يسمع هذا الاسم، لكن أغلبنا يسيء فهمه، أو لا يعرف عنه شيئًا، فالأغلبية تربط هذه الأزمة بالرجال فقط، وتعتقد أنها لها علاقة بظهور حالة من المراهقة المتأخرة، والمغامرات العاطفية الطائشة، رغبة من الرجل فى استرداد شبابه، واستعادة الشعور بأنه جذاب ومرغوب.. وهذا جانب واحد فقط، أو شكل واحد من أشكال هذه الأزمة، لكنها أكبر وأكثر تنوعًا من ذلك بكثير، كما أنها تصيب الرجال والنساء على حد سواء.

لهذا فأنا أعتقد أن ما زاد من تأزم حالة والدتك هو مرورها بهذه الأزمة، والتى تشعر فيها المرأة بأن شبابها قد ضاع دون أن تحقق أحلامها، ودون أن تشعر بذاتها، ودون أن تصل إلى ما كانت تريده لنفسها، فتعيد التفكير فى كل ما بذلته وما أخذته في حياتها الماضية، وتقيم المكاسب والخسائر فى كل ما سبق من العمر، وإذا اكتشفت أنها خاسرة، وأنها أعطت أكثر بكثير مما أخذت، تقرر أن تعوض كل ما فاتها بكل طريقة ممكنة، فتخرج كثيرًا، وتهتم بنفسها بشكل غير عادى، وترفه نفسها كما لم تفعل من قبل، وتتخفف من كل المسئوليات التى تستطيع التملص منها، وأحيانًا ما تتخلى عن مسئولياتها بالكامل فى الحالات الشديدة من الأزمة.. هذه هى أعراض أزمة منتصف العمر بالنسبة للسيدات فى أغلب الأحوال، لكنى أحب أن أبشرك أن هذه الحالة لن تستمر إلى الأبد، ستمر كما يمر غيرها، لكننى أطلب منك التعامل مع والدتك فى هذه الفترة وكأنها مريضة بفيروس ما، يقلب من كيانها، ويغير من تصرفاتها، لكنه فى النهاية سيزول وستتعافى، وستعود إلى طبيعتها فى يوم ما.

لكن عليك أن تعرفى أنه بيدك أنت ومن حولك الإسراع من إخراج والدتك من هذه الأزمة، بتدليلها، وإراحتها، وإشعارها أنكم تقدرون لها كل ما فعلته من أجلكم يومًا ما، بالذات عندما كنتم صغارًا.. أوصلوا لها رسالة أنها ذات أهمية وقيمة كبيرة فى حياتكم، وأنكم تعرفون قدرها حتى وإن لم تقولوا لها ذلك من قبل.
ومن جانب آخر لا أريدك أن تشعرى بالرثاء على نفسك لأن أمك كانت بعيدة عنك نفسيًا، فهذا شىء سلبى بالطبع، لكن جربى أن تقتربى منها أنت، جربى أن تتعاملى معها كصديقة وتحدثينها عن مشاعرها هى، واطلبى منها أن تفتح لها قلبك وتحكى لك، فربما قرب ذلك بينكما بشكل لا تتخيليه، لأنه غالبًا ما ستكون أمك تبحث طوال الوقت عن من تبوح له هى بكل ما تشعر به وتريد التعبير عنه.

وأيضًا استشعرى الأمر الإيجابى فى الموضوع، وهو أن لك أبًا حنونًا داعمًا متفهمًا، كان يقف بجانبك طوال الوقت، وهو الأمرالذى يفتقده الكثيرون هذه الأيام.

الصفحة الرسمية للدكتورة هبة يس على "فيس بوك":
Dr. Heba Yassin











مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة