رحم الله الرئيس أنور السادات، ويكفيه أنه رفع رأس مصر عاليًا فى السماء، وأزاح عنها عار الهزيمة والانكسار، لكن غلطته الكبرى كانت الجماعة الإرهابية التى أطلق عناصرها من السجون والمعتقلات وتحالف معهم، فى مقابل أن يخلصوه من اليساريين والناصريين، وأعطى الضوء الأخضر لبعض قيادات الدولة لإنشاء الجماعات الإسلامية فى الجامعات وتكليفهم بالمهمة، وعرف بعد فوات الأوان أنه وضع يده فى يد الشيطان الذى لايحفظ عهدًا.
زوّد رجال السادات طلبة الجماعات الإسلامية بالسنج والمطاوى والجنازير، ومكنوهم من الأنشطة الطلابية، وسمحوا لهم بتجاوزات تمس هيبة الدولة وسلطتها، وكان السادات سعيداً بنجاح خطته فى ضرب هؤلاء «الأولاد» الذين يعارضون حكمه ويحرضون الطلبة على التظاهر والتجمهر ضده، ونجح طلاب الجماعة الإسلامية فى القضاء عليهم بالضربة القاضية.
تزامن مع ذلك التغلغل المكثف للجماعة الإرهابية فى وسائل الإعلام وأجهزة الدولة، وعادت مراكزهم ومقارهم المصادرة منذ الخمسينيات إلى الحياة مرة أخرى، وبدأت الجماعات الإسلامية السيطرة بمنع الاختلاط فى المدرجات واحتلال المدن الجامعية، وتحويلها إلى معسكرات للتدريب وإخفاء الأسلحة وعقد الاجتماعات، ثم الخروج من الجامعة إلى الشارع، واحتلال المساجد القريبة، والتظاهر السياسى الذى يندد بسياسات السادات مثل كامب ديفيد واستضافة شاه إيران.
فى التوقيت نفسه، كان مرشد الإخوان عمر التلمسانى يتجول فى البلاد بطولها وعرضها، يعيد إحياء خلايا الجماعة وتنظيم صفوفها وتكليف كوادرها بإعادة التنظيم الخاص المسلح، وأصبحت الجماعة الإسلامية هى نفسها الجناح العسكرى للإخوان، وبدأت المواجهات المريرة التى انتهت باغتيال «البطل» فى المنصة، ويعتقد البعض أن السادات كان من الممكن أن ينجو إذا أخذ لنفسه ساترًا.. لكنه حين شاهد خالد الإسلامبولى يأتى نحوه بسلاحه الآلى وقف صارخًا «هتعمل إيه يا ولد؟»، ولم يصدق أن الأولاد يمكن أن يرفعوا فى وجهه سلاحًا، أو أن يفكروا فى اغتياله فى يوم انتصاره.
أريد أن أقول لمن يلعبون بأكاذيب مبادرات الصلح والتوبة إن الجماعة الإرهابية هى التى حفرت قبرها بنفسها، وكان من الممكن أن تعمل بالسياسة دون أن ترفع شعارات دينية، وتفجّر فى كيان هذا الوطن كل ألوان الفتن والصراعات التى هددت تماسكه ووحدته، وتغتال أبناءه الأبرار، وتتآمر مع أعدائه فى الداخل والخارج.. إنها الذكرى التى قد تنفع المؤمنين، فى زمن التحالفات الانتهازية التى يبحث أصحابها عن غنائم الحرب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة