فى أيام مبارك وتحديدًا عام 2002 تقدم الشاب النابه عبد الحميد شتا، بعد تخرجه بتفوق من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لاختبارات جهاز التمثيل التجارى للحصول على وظيفة الملحق التجارى، ومعه اثنان وأربعون شابا آخرون، كان شتا يشرف على تحصيلهم العلمى فى الجامعة بحكم تفوقه.
كان شتا محل تقدير من جميع أساتذته فى الكلية، لنبوغه ونشاطه، فقد كان مشاركًا فعالاً فى جميع المؤتمرات العلمية بالكلية، وساهم بأبحاثه فى المجلات العلمية المتخصصة ونال عدة جوائز مصرية وعربية. باختصار توقع له الجميع مستقبلاً علميًا مرموقًا وطريقًا إلى الترقى مفروشًا بالورود.
وفى اختبارات التمثيل التجارى حصل شتا على أعلى الدرجات متفوقًا على الاثنين والأربعين شابا المشاركين معه، وتوقع الجميع أن يكون أول الفائزين بمنصب الملحق التجارى لمصر فى الخارج، لكن المفاجأة أن الاثنين والأربعين شابًا نجحوا ورسب شتا، لماذا؟ لأنه ابن فلاح بسيط يعمل ليكسب قوت يومه، ونال على ملفه الختم المشئوم "غير لائق اجتماعيًا".
لم يتحمل عبد الحميد شتا الموقف وقرر الانتحار بالقفز فى النيل، ربما لأنه أيقن أن البلد فسد لدرجة أنه لم يعد يتحمل أى مجتهد مكافح، أو ليعطى إنذارًا، عبر التضحية بروحه، لجميع المسئولين عن تدمير المجتمع.
أتذكر قصة عبد الحميد شتا الآن، بعد التصريحات المسيئة لوزير العدل حول عدم صلاحية ابن عامل النظافة ليتولى منصب القاضى، وتبريره الأكثر إساءة "القاضى لابد أن يكون من وسط محترم ماديًا ومعنويًا". لا يا سيادة الوزير عليك أن تفتش فى سجلات أسرتك أنت أولاً وفى سجلات جميع الأسر المصرية ستجد أن من بين حلقاتها عاملاً بسيطًا أو فلاحًا أبسط ، لكن العبرة بالنبوغ العلمى وطهارة اليد والالتزام.
وأسأل السيد وزير العدل هل تريد من جميع المتقدمين أن يكونوا من أبناء أصحاب الثروات أو أبناء رجال الأعمال، أيا كانت مصادر ثرواتهم؟ وهل تعرف لماذا يباشر مجلس القضاء الأعلى مهامه بإحالة كثير من القضاة إلى الصلاحية وهم دخلوا سلك القضاء من أوساط محترمة ماديًا ومعنويًا؟ وهل تتابع تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات عن هذه الأوساط المحترمة؟
ما صرحت به يا سيادة الوزير أبعد ما يكون عن اسم الوزارة التى تتولاها، ويكشف النكسة التى لحقت بنا سريعًا بعد ثورتين توقعنا بعدهما زوال الدولة العميقة المفسدة والقابضة على المجتمع، لكننا كنا مخدوعين، وبات واضحًا أن هزيمة المجتمع كله أمام دولة مبارك الفاسدة، آتية لا محالة.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة