رغم أنها فى المجمل دعوة طيبة ووراءها أشخاص يحملون نية خير هدفها إعادة زرع الفرح وروقان البال فى النفوس من جديد إلا أن تأثيرها مزعج جدا على كل متأمل وقارئ بين السطور، عن تلك الحملة التى أطلقتها إحدى شركات البطاطس المقلية تحت عنوان "ضحكة ال 90 مليون متوقفش الضحكة عندك" أتحدث، الأكياس مرسوم عليها الابتسامات أشكال وألوان بأنصاف وجوه رجال ونساء وأطفال ويذاع الإعلان عنها بتوضيح وضع هذا النصف المبتسم على الوجه لندارى به النصف الحزين الذى ما عاد يبتسم إلا نادرا، مؤكد جاء ذلك فى إطار الملاحظة العامة بأن هذا الشعب أصبح لا يضحك كما كان ودارت الفكرة فى رؤوس أصحابها برسم نصف وجه مبتسم على الكيس ليكمل به كل من يشترى نصف وجهه الأخر، هذه هى طبيعة خطط التسويق والدعاية لأى منتج ينزل السوق، هى تعتمد فى المقام الأول على أفكار خارج الصندوق وفيها من جذب الإنتباه ما يحقق الهدف من صرف الملايين على تكلفتها، ومسئولو التسويق هنا لاحظوا بوضوح كيف أصبح هذا الشعب يعانى من كآبة مرسومة على الوجوه فى البيوت والشوارع والميادين والمواصلات العامة فوق الأرض وتحتها فدعوهم للإبتسام من جديد لعلهم يجدوا فى الابتسام أى راحة أو صفاء ذهنى حتى لو للحظات ولعلهم يقتعنوا أنهم لازالوا على قيد الحياة رغم كل شئ يجعلهم متأكدين أنهم فارقوها.
أنا هنا لا أتحدث فقط بناء على أوضاع اقتصادية طاحنة وفقر مدقع يكسر عظام الصدر وجعا، وإنما يشمل كلامى أوضاعا نفسية وحياتية وضغوطات_على كل شكل ولون _ تحاصر كافة الناس بكافة فئاتهم وكافة مستوياتهم المعيشية وبصور لا حصر لها، المهم إستجاب كثيرين وتفاعلوا مع الحملة منذ يومها الأول ونشرت الصور فى كل مكان وملأت الضحكات- المستعارة- كل الدنيا، لكن بسرعة الصاروخ جاء الرد عليها بحملة مضادة على مواقع التواصل الإجتماعى بإستخدام تقنية الفوتوشوب على نفس الكيس ورسم عليه وجوه شاردة حزينة تحمل من الهم والضغوط ما يعوق تفاعلها مع الدعوة والإستجابة لرسم البسمة، هنا يتجسد الإزعاج الشديد الذى أقصده، فبعد أن كان الشعب المصرى معروفا بأنه لا يتوقف عن الضحك أبدا حتى فى أصعب ظروف، جاء الوقت الذى توجه إليه الدعوة للضحك ويعبر من يستطيع التعبير برفضها، وحتى من يستجيب يعود بعد قليل لسجن همومه مجددا، ليؤكد أنه لم يؤمن بالفكرة أصلا وإنما شارك فيها فقط من باب الفانتازيا، الضحك المتوفر الآن وبشدة هو "الكوميديا السوداء" وهذا لا أعتبره ضجكا بقدر ما أعتبره وصلات رقص لطيور مذبوحة تحاول التعبير عن نفسها بأسهل طريقة، بلا حدود الأن نضحك ونطلق النكات والقلش والقفشات على وقائع من الخلل الحقيقى الإبتسام بعدها، أما الضحك الصافى الذى يعكس روقان البال وصفاء النفس والذى تهدف إليه الحملة فلا أعتقد أنه موجود أو بمعنى أدق _ كان فى وخلص _ نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا، لكن عندما يصل الأمر لأن يوضع كيس به ضحكة على الوجه ليدارى النصف العبوث فيه فهذا يعنى أن الإحصائيات رصدت أوجاع النفسية فاقت كل الحدود بحدود ويعنى لماذا هى حملة مزعجة بلا حدود..
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة