منذ أن عملت بالصحافة وفى قلبى حنين جارف لمقابلة كل من تربينا على فنهم وأسهموا بإبداعهم فى تربية وجداننا وتعميق شعورنا بالوطن والحب والفن والحرية والكرامة والصفاء، وسعيت قدر استطاعتى إلى صداقة بعضهم وفى كل مرة أقترب من أحدهم يصدق ظنى بهم، أناس يحملون حقا رائحة الزمن الجميل بأخلاقياته الرفيعة وقيمه الفاضلة ونزقه الفنى المدهش، صادقت خيرى شلبى وإبراهيم أصلان وعبد الرحمن الأبنودى ونجاح سلام وأحمد فؤاد نجم، ولم يمهلنى الموت فترة كافية للقاء سعاد محمد لكن حينما زرت لبنان للمرة الأولى حرصت على مقابلة وديع الصافى الذى ما أن عرف أننى من مصر حتى صدح صوته «عظيمة يا مصر» وحدد لى ميعادا بعد يومين فقط ولأن ميعاد سفرى كان فى ذات الوقت اضطررت إلى تأجيل السفر حتى أتمكن من مقابلته، وبعد اللقاء تأكدت من أننى كنت على صواب حينما أجلت السفر فوديع الصافى كان مثله مثل غالبية أبناء جيله «جيل الزمن الجميل» وديعا وصافيا، يقدسون الفن ويعيشون به وله، تماما مثل الفنان المصرى «أمين عبدالعظيم» الذى التقيت به منذ فترة وكلما قابلته تأكدت من أن هذا الجيل «جيل ذهبى» حقا، سواء فى أخلاقياته أو فى عشقه للفن والحياة، وتأكدت من أن مصر بها كنوز مخفية لا يلقى عليها الضوء الكافى ليعم نورها.
«عم أمين» كما أحب أن أناديه هو عازف كمان شهير، عمل مع أكبر الموسيقيين والملحنين والمطربين، كان عضوا بالفرقة الماسية «أحمد فؤاد حسن» كما عمل فى بداية حياته مع ماهر العطار وعبد العزيز محمود ثم عمل مع عبدالحليم حافظ وسجل معه عدة أغنيات بصحبة عازف الكمان الشهير محمد مصطفى، وفى سبعينيات القرن الماضى سافر «عم أمين» إلى لندن ليحصل على الأسطوانة البلاتينية فى عزف الكمان بعد أن وصلت مبيعات إحدى الأسطوانات التى اشترك فى تنفيذها إلى المليون نسخة، وفى تلك الفترة صاحب بليغ حمدى أثناء غيابه الاضطرارى عن مصر، وله معه العديد من المواقف المهمة والمؤثرة التى حكاها لى والتى من المؤكد أننى سأرويها يوما ما، وبعد ذلك سافر «عم أمين» إلى عمان وله هناك العديد من الصولات والجولات والمشاركات المهمة فى التليفزيون العمانى، ثم عاد منذ سنوات إلى مصر.
«عم أمين» الآن- هذا الرجل الذى يقترب من السبعين عاما، مازال قادرا على العطاء والإخلاص للفن، وقد تخصص الآن فى صناعة «الكمان» يدويا، بعد أن درس هذه الصناعة الدقيقة وأجادها، ليصبح بذلك أول صانع كمان مصرى خالص، وأنى أدعو دار الأوبرا المصرية ووزارة الثقافة أن تنظم لهذا الرجل المعطاء «ورشة» لتعليم صناعة الكمان فى مصر، لكى يصبح لدينا جيل من صناع الكمان المهرة، لكى لا تنقرض هذه الصناعة بعد عم أمين الذى أدعو الله بأن يمتعه الله بالصحة والعافية والقدرة الدائمة المحبة والعطاء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة