محمد منير

ثورة وثوار الوهم

السبت، 11 أبريل 2015 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما تتشابك المشكلات وتتقاطع وتختلط المفاهيم وتتعقد الحلول ويطول الواقع المؤلم بالشعوب، تتفاعل كل هذه المعطيات لتنتج مخرجًا جديدا يتعارض منطقه مع منطق التراث الإنسانى المبنى على معطيات أقل الآما وأكثر اتساقًا.

الفترة الطويلة، التى عاشها الشعب المصرى فى ظل أزمات مركبة على كل الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والنفسية فرضت عليه قيما ومفاهيم جديدة وقواعد للحياة نقلته من جبهة الضحايا للأزمات والمشاكل إلى جبهة المشاركة فى وجود هذه المشكلات حتى أصبح المصريون مكوّنا رئيسيا فى أسباب معاناتهم، وأصبح القضاء على هذه المعاناة يستلزم مواجهة النفس والذات أكثر من مواجهة المغتصب.

وفى الثلاثين عاما الماضية، وربما أكثر تفرغت المفاهيم من محتواها فأصبحت مجرد شكل يحمل ملامح فلكلورية بلا معنى، ومن هذه المفاهيم خالية المحتوى، مفهوم الثورة، وهى الكلمة التى حملت من بين حروفها السبب والنتيجة فى آن واحد، وتحولت الثورة عند المصريين من فعل سياسى يستهدف الحراك بين الطبقات وكسر هيمنة الفئات المستغلة وتغيير البنية الاقتصادية لنظم باطشة أو فاسدة، إلى حالة وجدانية تتأرجح بين الانفعال العاطفى والانفعال الواقعى حسب موقف المستخدم لها.

أصبحت الثورة مجرد مشهد.. عنيفًا بعض الأحيان عاقلًا أحيانا أخرى، وأصبح الملمح الثورى قناعا يرتديه الثورى ليضبط به ملامحه على حالة استهوته وسلبت وجدانه وغالبًا ما تكون بغير هدف سوى الاستمتاع بالحالة الثورية، أو الغرق فيها واللجوء إليها كمهرب من أزمة نفسية أو معيشية يعجز الثورى عن مواجهتها، وهنا تنتفى العلاقة بين الثورة والتغيير، لا وتتحول إلى معنى أو قيمة أو شكل فارغ المضمون.
ثار عبد الله الفيصل على نفسه فى كلماته، التى تغنت بها الراحلة أم كلثوم فى ثورة الشك، وأسس أنور السادات بنيان حكمه على كلمة الثورة عندما أعلن ثورة التصحيح فى مواجهة مراكز القوة رغم أن البنيان الطبقى المستغل لم يتغير عما قبل حكم الرجل، بل إن تنظيم مراكز القوة ذاته لم يختف وإن شهد تغيرا فى ملامحه.

عرف التاريخ السياسى المصرى ثورة عرابى المشهورة، والتى لم تتجاوز مشاهدها فى وجدان المصريين مشهد الجندى الهمام على فرسه فى ميدان عابدين وهو يناقش الحاكم الظالم ويبلغه بضيق الشعب والجيش من ظلمه، وهو نفس الامتداد لثورة الفلاح الفصيح التى تناقلتها برديات الفراعنة، والتى من خلالها تجرأ أحد الفلاحين المصريين ورفع رأسه وعينه من الأرض ليسترحم أحد الأمراء المستغلين فاعتبرها التاريخ أقدم ثورة فى حياة المصريين.

فى عام 2011 ضاق الشعب المصرى بظواهر الفساد والظلم والقمع فخرج مدفوعا بضيقه إلى الشوراع يطالب بسقوط النظام يحيط به عاملين أساسيين.. الأول عدم وجود تصور محدد لدى الثوار عن النظام البديل ولا وعى بكلمة التغيير فقط كان الهدف إسقاط النظام، والثانى هو سيطرة الزهوة الإعلامية على الأداء الثورى وهى الزهوة التى حولت القيادات الثورية الى مشخصاتية فى جوقة غير متناغمة على مسرح مرتبك، وأصبح الثورى الحق ابنًا للأداء المظهرى للدور الثورى، ولهذا لا تندهش عندما تجد شخصًا يجرى وسط السيارات ويقفز من فوقها ويخترق صفوف الشارع المزدحم، ويعطل سيره لينتهى بصورة ثورية له، وهو منتصب رافع يده لأعلى بعلامة النصر ووجهه متخف بوشاح المقاومة يظهر من ورائه عين تحمل نظرة صارمة تجاه هدف غير محدد، وغير معلوم حتى لصاحبه، الذى تتخدر عاطفته بهذا المشهد ويكتفى به!

ولا عجب أيضًا أن تصطدم بحملة من المغتصبين أو الهجامين على الحقوق، وهى تسير فى طريق النهب والهدم والثورة رافعة شعار "ثوار أحرار حنكمل المشوار"، كلها مشاهد تؤكد أن الثورية حالة منفصلة تماما عن طبيعة الهدف، الذى يتبناه ملتبس هذه الحالة، بل الأدق إنها أداة متعددة الأهداف والأغراض.. والنتيجة إنتاج غزير من الثوار بلا ثورة .








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة