أعلنت الحكومة الأردنية عبر وزارة التنمية الاجتماعية، الثلاثاء الماضى، 3 مارس 2015، عن تسجيل جماعة الإخوان المسلمين جمعية دعوية، بما يعنى أنها منحت الشرعية القانونية لمجموعة المرشد السابق عبدالمجيد الذنيبات الذى تقدم بتلك المبادرة لتوفيق أوضاع الجماعة فى الأردن، خصوصًا بعد تصنيفها فى مصر، وفى العديد من الدول كمنظمة إرهابية، وبالتالى حاول الرجل ومجموعته إخراج الجماعة من سياق عضويتها فى التنظيم الدولى، وإشهارها قانونًا باعتبارها جمعية أردنية وطنية. فى المقابل خرجت ردود أفعال القيادة الحالية للجماعة التى يمثلها همام سعيد، أقرب رموز وقيادات الجماعة فى الأردن لإخوان مصر، وللتيار القطبى على وجه الخصوص، حيث مثلت تجربة الأردن التى أبقت على الارتباط الوثيق بين حزب الجبهة الإسلامية، الذراع السياسية للجماعة بالأردن، وجماعة بمكتب إرشاد مسيطر بشكل كامل على الحزب، إلهامًا للجماعة فى مصر، وهو ما استنسخته تجربة الإخوان عند تأسيس حزب الحرية والعدالة، حيث كان الاختيار بين نموذجى الأردن البائس، ونموذج المغرب الذى فصل فصلاً كاملًا وحاسمًا بين العمل السياسى الذى عبر عنه حزب العدالة والتنمية، وجماعة التوحيد والدعوة كجناح دعوى مستقل.. اختار إخوان مصر بالطبع النموذج الأردنى الذى يكاد يلحق بشقيقه فى مصر فى العاقبة والمآل، فى الأردن- كمصر- كان هناك دائمًا صراع بين الصقور والحمائم، أو المحافظين والإصلاحيين، لكنه كان دائمًا يحسم لصالح المحافظين الذين كانوا ينحازون دائمًا لخيارات الملك السياسية فى الشأن الداخلى، وارتضوا دائمًا أن يستخدموا لتقليم أظافر المعارضة، مقارنة بالجناح الإصلاحى، ومن ثم حافظت الحكومات الأردنية المتعاقبة على دعم المحافظين فى مواجهة الإصلاحيين، فماذا تغير؟
كانت نقطة التغيير فى مصر، حين أدركت القيادة الأردنية أن التقية السياسية التى أبدتها جماعة الإخوان فى مصر يمكن أن تتكرر فى الأردن، ومن ثم فضلت القيادة الأردنية أن تلوح بهذا الكارت فى تهذيب طموحات الإخوان، وإعادتهم لخطوط اللعبة المتفق عليها، لذا كان لافتًا حديث همام سعيد فى التعليق على القرار الحكومى، حيث قال: «إننا نعتب على الحكومة لقبولها الطلب، خاصة أن الحكومة تدرك كم استعانت الدولة بالجماعة لمهمات صعبة، وكم مرة كانوا عنوان أمن اجتماعى وسلام وطنى»، فى إشارة واضحة إلى أنهم تلقوا الرسالة، وما زالوا صالحين للنهوض بالدور المطلوب، سواء فى مواجهة المعارضة، أو حتى فى مواجهة «داعش» التى يبدو أن لديها خلايا نائمة فى الأردن، تهدد بتنشيطها الجماعة من طرف خفى.
الجماعة عبر تفاعلات ثلاثة انطلق الأول منها عبر مجلس الشورى العام أكدت ما يلى:
أولاً: إدانة السعى لإعادة تصويب أوضاع الجماعة، بعيدًا عن مؤسساتها القيادية الشرعية المنتخبة، وخلافًا للأصول المعتبرة.
ثانيًا: استهجان قبول الحكومة للطلب المقدم بهذا الخصوص، ورفض أى تدخل فى شؤون الجماعة الداخلية.
ثالثًا: العبث بالمركز القانونى المحفوظ للجماعة، ووضعها التنظيمى المستقر، هو مخاطرة ومجازفة ستترك آثارها العميقة على الوطن الأردنى قبل أن تصيب الجماعة بأى ضرر «تأمل لفظ آثارها العميقة»، مع التأكيد على بقاء المجلس فى حالة انعقاد دائم لمتابعة كل مستجد على هذا الصعيد.
التفاعل الثانى جاء مما أسمته الجماعة دعوات مبادرة شبابية إلى الالتفاف حول الجماعة، وقيادتها الشرعية، فى محاولة للإيحاء بأن شباب الجماعة ملتفون حول قيادتهم القطبية تمامًا، كما يتصرف الإخوان فى مصر، تشابه مدهش.
بينما جاء التفاعل الثالث عبر ما سمى مجلس علماء الشريعة الذى أكد تأييده قرارات مجلس شورى الجماعة بعزل من تقدموا بتلك المبادرة التى سعت لتوفيق أوضاع الجماعة، بالالتفاف على قرارات القيادة الشرعية المنتخبة «نعلم بالطبع كيف تجرى انتخابات الإخوان، راجعوا ما قاله د. محمد حبيب عن ذلك لصحيفة الشروق».
لم ينس همام سعيد، مراقب الجماعة الفلسطينى، أن يلمح إلى مبادرة مقبلة يمكن أن تفضى إلى مكتب تنفيذى توافقى للجماعة، مردفًا أنهم اعتادوا على إخراج ملف الجماعة للطاولة وقت توتر العلاقات مع الدولة، بحيث يخرج من الدرج إلى الطاولة عندما تكون الأمور ساخنة، ثم ينزل الملف إلى الدرج، وهكذا، دون أن ينسى توجيه اتهام مبطن بقوله إن الجماعة إذا عملت بطريقة غير ظاهرة فلا يمكن أن تضبط الكثيرين، وأن الجماعة مرخصة رغم أنها دعوة رسل، مشيرًا إلى أن الإخوان أحيوا هذه الدعوة وقاموا بواجباتها، لكنهم أيضًا دخلوا إلى العمل بطرق قانونية، حيث جرى ترخيصهم من رئاسة الوزراء، وكان بإمكانهم أن يطلبوا الترخيص من وزارة أو جمعية عام 1946، قائلًا: نحن لا نخشى على بقائنا مهما كان الشكل، لكننا نخشى على الآخرين عندما يتصرفون تصرفات غير مدروسة، مضيفًا: قبل العمل فى سياق بعض دول الخليج أو مصر، لا بد من النظر لمآلات تلك الدول.
وهكذا يبدو حديث الرجل حافلًا برسائل التهديد التى لن تخطئها بالطبع عين القيادة الأردنية التى باتت مدركة لخطر الجماعة، وبقائها فى صيغة ملتبسة بين حزب وجماعة فى الوقت ذاته.
أظن أن الكرة فى ملعب «الذنيبات» ومجموعة «زمزم» لتكتب بنجاحها فى قيادة الجماعة لمسار دعوى بعيد عن السياسة نهاية الامتداد الدولى القديم لجماعة ستصبح كل حركاتها واتصالاتها مجرمة طبقًا للقانون، فى حال الأقدام على الاتصال، أو الترويج لجماعة أجنبية خارج البلاد.
هل تتدحرج الأمور باتجاه صدام بين التنظيم السرى للإخوان فى الأردن والملك، وتكتب الجماعة نهايتها، أم تنحنى للعاصفة، وتنقسم إلى مجموعة تذهب لحزب الجبهة الإسلامية الذى ربما تنتظره إجراءات حكومية جديدة، إذا ما بقى تابعًا لجماعة لها امتداد دولى، ومجموعة قد تغادر ساحة العمل العام، وأخرى تلحق بالجماعة الجديدة؟.. فى كل الأحوال الأيام حبالى يلدن كل جديد، وما هو مؤكد أن الجماعة لن تعود كما كانت، سواء فى الأردن أو فى غيرها من الدول.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة