على اختلاف الكلمات التى ألقيت فى مؤتمر مصر الاقتصادى الذى عقد فى شرم الشيخ فإنى أجد أن هناك كلمة واحدة يجب أن نقف أمامها طويلا لنتأمل دلالاتها وآثارها ومنابعها، وهى كلمة الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس وزرائها وحاكم دبى، فعلى الرغم من أن تلك الكلمة ألقيت فى مؤتمر اقتصادى ذى أبعاد سياسية لكنها حملت الكثير من العمق الثقافى والكثير مما يمكن أن نطلق عليه اسم «بلاغة المحبة» التى لا تخطئ كلماتها ولا ترتبك أوصافها ولا تتلعثم أدواتها، فالمحبة صدق، ولا يخطئ الصادق فى التعبير عما بداخله حتى وإن صمت.
بداية البلاغة كانت حينما اقتبس حاكم دبى مقولة «الشيخ زايد» الذى يعتبره المصريون مفتاحا من مفاتيح قلوبهم، فبمجرد أن ذكر رئيس وزراء الإمارات هذا الاسم الجليل فكأنما قد ملك قلوب المصريين دفعة واحدة، وقد وفق الشيخ محمد بن راشد فى توظيف اقتباسه من كلمات حكيم العرب التى قال فيها «لن يكون النفط العربى أغلى من الدم العربى»، وهى المقولة التى أطلقها إبان حرب مصر على إسرائيل ومقاطعة العرب للدول المتحالفة مع العدو الصهيونى، فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه الحرب التى تخوضها مصر حاليا ضد الإرهاب بالحرب التى خاضتها مصر سابقا ضد العدو الصهيونى فكلاهما واحد، وكلاهما كالسوس ينخر فى الجسد العربى.
ومثل العاشق الصريح لم يستنكف «نائب رئيس الإمارات» من التصريح بالقول «إنه لا يوجد للأمة العربية وجود بدون مصر، ولا يمكن لمصر أن تستغى عن أمتها العربية»، وهى الكلمة التى ترد على المزاعم التى تدعى أن الإمارات تقوم بهذا الدور الخلاق فى مصر رغبة فى تبوء دور فى المنطقة على حساب مصر، فها هو نائب رئيس الإمارات يؤكد ببلاغة المحب أن مصر هى الأساس، وأن مرورها الآن بفترة ضعف اقتصادى لا يعنى أنها ستفقد مكانتها، وإنما يعنى أنها ستدخل عشاقها فى اختبار المحبة، فينجح من ينجح ويرسب من يرسب.
وتجلت بلاغة المحبة حينما أشار الشيخ محمد بن زايد فى أقل الكلمات إلى ما تعنيه مصر بالنسبة إليه على المستوى الشخصى وبالنسبة إلى محيطها الإقليمى على المستوى العام، وقد تجلت «قوة مصر الناعمة» فى كلمة حاكم دبى حينما قال (يعلمنا التاريخ أن مصر حينما تكون قوية فإنها تقوم قادرة على بث الحياة فى الأمة وتجديد نهضتها وقيادة مسيرتها، داعيا العالم إلى «القراءة» عن مصر وتاريخها و«انكسار الغزاة» على أعتابها وحركات التنور الثقافى التى خرجت أرضها ومسيرات التحرر من الاستعمار التى انطلقت من ترابها وأبطالها وكتابها وروادها عن أزهرها وعلمائها وجيشها وأبطالها وقادتها).
فهل أدركنا نحن ماذا تمثل قوة مصر الناعمة؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة