وقال عراق، على هامش الندوة التى أقيمت فى مكتبة مصر العامة، بالتعاون مع الجمعية المصرية للأدب المقارن، التى يرأسها الدكتور علاء عبد الهادى - وخلال جلسة نقدية وأدبية لمناقشة أعمال ناصر عراق الروائية: "أتعجب كثيرًا عندما يشرع أحد فى كتابة رواية دون فهم تاريخ الوطن والأدب والفن، ولا أتخيل أن يكتب أحد رواية دون أن يكون لديه قاموس لغوى غزير ومتنوع، فكيف تكتب رواية دون الاطلاع على أشعار وقصائد أحمد شوقى والمتنبى على سبيل المثال؟! وكيف تكتب رواية وأنت لا تملك علاقة عميقة بالقرآن الكريم؟!".
كذلك أضاف الروائى ناصر عراق، أنه عندما يشرع فى كتابة أيّة رواية جديدة يتكئ على أكثر من شىء، وأبرز هذه الأشياء هى قيم الحق والجمال والحرية والعدالة الاجتماعية، إضافة إلى فهم التاريخ والفنون الأخرى مثل الشعر والموسيقى والغناء، وأوضح رئيس التحرير التنفيذى لـ"كايرو دار"، أنه كان يحلم بأن يكون روائيًّا ناجحًا منذ صباه، خاصة عندما قرأ رواية "الأيام" لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وساعدته على ذلك نشأته الاجتماعية، إذ تربى وترعرع وسط أسرة تعشق الثقافة والفن.
وأشار عراق أيضًا، فى إطار ندوة مناقشة أعمله ورواياته، إلى أنه أصدر رواية "العاطل" قبل اندلاع ثورة 25 يناير 2011 بيوم واحد فقط، وهى الرواية التى أثارت اهتمام قطاع كبير من المثقفين والكتاب، ووصلت إلى القائمة القصيرة فى الجائزة العالمية للرواية العربية "جائزة بوكر العربية" فى دورتها الخامسة عام 2012، أما عن السبب وراء إصدار رواية "تاج الهدهد" فقال عراق: "لدىّ هوس بعالم الحيوان منذ الصغر، خاصة أنه عالم يشبه عالم الإنسان كثيرًا، لذلك قررت أن أكتب رواية تاج الهدهد، وذلك بمساعدة زوجتى التى تتوفر على دراية ومعرفة كبيرتين بعلم النفس وبالأمراض النفسية التى تصيب الإنسان، خاصة أن بطل الرواية مريض نفسى ويرى بعض الأشخاص على هيئة حيوانات".
جدير بالذكر -فى هذا المقام- أن ناصر عراق أحد روائيى جيل الوسط، بدأت مسيرته الإبداعية برواية "أزمنة من غبار" الصادرة عام 2006 تالية لكتابين فى النقد والتوثيق: "ملامح وأحوال.. قراءة فى الواقع التشكيلى فى مصر" عام 2000، و"تاريخ الرسم الصحفى فى مصر" عام 2002، وهو الكتاب الفائز بجائزة مؤسسة أحمد بهاء الدين فى دورتها الأولى عام 2000، وعقب العناوين الثلاثة تتابعت كتابات وإبداعات ناصر عراق، لتصدر له فى السنوات التالية: "من فرط الغرام" رواية 2008، "الأخضر والمعطوب.. فى الثقافة والفن والحياة" مقالات 2009، "العاطل" رواية 2011 - وهى إحدى روايات القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" فى دورتها الخامسة عام 2012 - وبعدها صدرت له رواية "تاج الهدهد" عام 2012، وأخيرًا "نساء القاهرة.. دبى" فى العام الماضى، وينتظر صدور روايته السادسة "الأزبكية" خلال الشهور القليلة المقبلة عن الدار المصرية اللبنانية.
فى السياق ذاته -وضمن فعاليات الندوة ومحورها العريض لمناقشة أعمال ناصر عراق الروائية- تحدثت الناقدة والروائية الدكتورة رشا غانم عن رواية "نساء القاهرة دبى"، آخر روايات ناصر عراق، قائلة: "إن هذه الرواية تعبق بأنشودة الحب الأزلية، وتجعلنا ندرك أن الحب هو أكسير الحياة، كما أنه موهبة مثل الرسم والموسيقى، كما قال ذلك الدكتور عزت لزوجته سوزان فى متن الرواية".
ذكرت "غانم" أيضًا أن رواية "نساء القاهرة دبى" تؤكد أن المرأة كائن شغوف بالحب، فقد تأذّى جسد إنصاف فى الرواية بعد رحيل زوجها، فأصبحت تنام فى نصف السرير تاركة نصفه الآخر، حسب قولها، وأشارت الناقدة الدكتورة رشا غانم إلى أن الرواية أوضحت علاقة الذات الأنثوية بالدين، وظهر ذلك جليًّا عندما رفضت سوزان الدين بكل طقوسه، واتفق معها حبيبها "يحيى بهنسى"، حينما قال: "قطعت علاقتى كلها بالأديان".
كذلك أشادت غانم بأسلوب ناصر عراق فى رواية نساء القاهرة دبى، قائلة: "خطاب الرواية مشوق وممتع، ويثير دهشة كبيرة، وكأن الرواية مكتوبة بحس شعرى، إذ استطاع الكاتب لمّ شظايا كثيرة ومتنوعة فى جميع الرواية".
فى سياق متصل، قال الناقد الدكتور عايدى على جمعة: "إن رواية تاج الهدهد لناصر عراق لافتة بامتياز، إذ أننى شعرت بأن الرواية تجذبنى لقراءتها من البداية حتى النهاية، حيث استطاع الكاتب رسم خيال واسع فى هذه الرواية الممتعة".
وأضاف الناقد المعروف الدكتور عايدى جمعة: "رواية تاج الهدهد تعبر عن اللاوعى بالوعى، حيث استطاع ناصر عراق أن يقيم المعادلة الصعبة بين جمال الإبداع والالتزام بواقع الحياة"، وأوضح جمعة كذلك أن اسم الرواية "تاج الهدهد" يشير إلى طائر الهدهد، الذى هو من واقعنا وبيئتنا، ولكنه يلفت نظرنا إلى أهم ما يميز هذا الطائر، وهو التاج الملكى الذى يحمله فوق رأسه.
وأكد الدكتور عايدى جمعة، أن رواية تاج الهدهد تظهر سمة واضحة وجليّة فى الأدب العالمى، وهى الحب والحرب فى الوقت ذاته -وفى الوقت الذى حدثت فيه ثورة 25 يناير 2011- حيث استطاع الكاتب الهروب من التقريرية المباشرة فى الرواية إلى التعبير عن الواقعية، إذ إننا نعيش خلالها فى عوالم خيالية لكنها تعبر عن الواقع، فنجد أن الهدهد يتحدث ويتكلم، ونرى أن الحبيبة تطير فى السماء، وأشار جمعة إلى أهم تجليات تيار الوعى التى ظهرت فى الرواية، وأبرزها تحول الإنسان إلى حيوان، كأننا نعيش فى عالم خيالى وواقعى فى أن واحد، إضافة إلى تداخل الأزمنة، فلم يعتمد الكاتب على النمط الزمنى الاعتيادى والمتعارف عليه، كما أن الزمن فى الرواية ليس سريعًا.
كذلك من تجليات تيار الوعى فى الرواية، استخدام "الحلم"، حيث يظهر الواقع بشدة خلال الرواية عندما يتحدث الكاتب عن عالم الحيوان، مع العلم أننا لم نجد طوال الرواية حيوانًا تحول إلى إنسان، ولكن يتحول البشر إلى حيوانات، أما الهدهد فيتحدث فقط.
يضيف جمعة: "البنية الأساسية لرواية تاج الهدهد تنطلق من الحدث الذى يعد لغة الرواية، والتى أظهرت أن الحب هو القيمة السائدة بين الطبقة الوسطى"، وتابع الناقد الدكتور عايدى جمعة فى سياق حديثه عن رواية تاج الهدهد: "إذا كان طه حسين قد أقام للكروان دعاء الكروان، فإن ناصر عراق استطاع أن يبنى صرحًا عظيمًا للهدهد المصرى الذى يدخل بيتنا فى هذه الرواية".
من جانبه، تحدث الأستاذ الدكتور محمد عليوة عن رواية "العاطل"، التى تحكى قصة الشاب محمد عبد القوى الزبال، الحاصل على شهاد البكالوريوس، والذى يعمل فى مقهى بالقاهرة قبل أن يغادر البلاد متجها إلى دبى، ومن ثم يتعرض لكثير من المشكلات والصعوبات التى أودت به للسجن بعد طرده من عمله فى كارفو".
كذلك أشار عليوة إلى معنى كلمة "العاطل" فى اللغة العربية، قائلاً إن العاطل تشير إلى المرأة التى ليس فى أذنها قرط، لافتًا إلى أن دلالات العاطل فى الرواية لم تقف عند هذا المعنى فحسب، إنما أصبح العاطل هو من تعطّلت حواسه، فصار عاطلاً سياسيًّا وعاطلاً عن العمل، كما أن بطل الرواية فشل فى جميع محاولاته مع النساء اللواتى لم يحركن فيه ساكنا، ولفت عليوة النظر إلى أن لفظ العاطل ظهر فى الرواية مرتين، الأولى على الغلاف، والثانية فى المتن - عندما التقى محمد الزبال شخصًا إماراتيًّا يدعى عبد الله - حينما سأل الأخير عن عمل الأول.
شهدت الندوة أيضًا حضورًا نقديًّا للدكتورة رشا صالح، التى أدارت الندوة وأشادت بروايات الكاتب ناصر عراق قائلة إن رواية "العاطل" تتمتع بخطاب روائى ومنظومة سردية تعبر عن الإنسان، أما فى نصوص رواية "تاج الهدهد" فإن ناصر عراق يرسم الوجود الإنسانى ويعكس أعماقه من خلال التجول فى فضاءات مختلفة لها، وأضافت صالح: "أما فى رواية نساء القاهرة دبى، يلتقى الخطاب الزمنى والروائى ليرسما واقع الطبقة الوسطى التى لم تتلاش على الإطلاق، حيث استطاع الكاتب رسم طبيعتها ومعاناتها خلال تلك الرواية بمهارة وعمق".
من جانبها، قالت الناقدة والروائية الدكتورة هويدا صالح: "إن رواية تاج الهدهد تتميز باستخدام تقنية الفلاش باك بتمكن وحرفية، كما أن هناك محفزًا قويًّا جعلنى اقرأ الرواية إلى النهاية، لمعرفة ذلك المشهد الغامض الذى تدور حوله الأحداث، ولكن يجب علينا أن نسأل الكاتب لماذا كتب هذه الرواية وما الهدف منها؟".
وأشارت هويدا صالح إلى أن طائر الهدهد جاء فى الرواية، نظرًا لشغف الكاتب بهذا الطائر الذى يرمز للجمال، ولكنه جاء واعظًا، وكأن الهدهد هو صوت الضمير.
يذكر أن الندوة شهدت حضور كوكبة من الكتاب والمثقفين، وعلى رأسهم الأستاذ مصطفى عبد الله، رئيس تحرير أخبار الأدب الأسبق، والدكتور علاء عبد الهادى، رئيس الجمعية المصرية للأدب المقارن، والناقد الكبير الدكتور أحمد درويش، وماهر مقلد مدير تحرير صحيفة الأهرام.
ناصر عراق والنقاد
جانب من الندوة
مناقشة مشروع ناصر عراق الروائى
نقاد: روايات ناصر عراق سدت فراغا فى المشهد الروائى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة