طالب الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف بالتدخل الفورى فى مناهج التعليم بالدول العربية والإسلامية، واستحداث مقررات محددة تناقش أفكار هذه الجماعات، وتبين مدى ضلالها وانحرافها، وتحذر الشباب من الانسياق وراءها؛ لأنها لا تمثل الإسلام ولا هديه فى احترام الآخر، مضيفًا أنه ما لم يحدث ذلك فلا أمل فى وقف هذا التيار المتشدد، الذى تعانى منه الأمة الاسلامية.
قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بعد تناوله فى أحاديثه السابقة لمفهوم الحاكمية عند المفكر الهندى أبى الأعلى المودودى وسيد قطب وتفنيده لكلامهما: "أتعجب من عقول ضربت فى مجال الثقافة بسهم وافر من أمثال المودودى وسيد قطب، ومع ذلك وقعوا فى هذه السقطات، وهذا الفهم لو صدر من شاب مغلق لأعذرناه، لكن لا أدرى كيف سمحت هذه العقول المتفتحة لنفسها أن تقع فى هذا المأزق المظلم؟!".
ويضيف فى حديثه الأسبوعى غدا الجمعة على الفضائية المصرية، أن الفقهاء قالوا : إن الحاكمية نوعان: الأول، الحاكمية الإلهية الكونية، وتعنى القوانين الطبيعية، وهى مطلقة لله سبحانه وتعالى لا يشاركه فيها أحد؛ مثل: قوانين شروق الشمس وغروبها، ودور الإنسان فيها يقتصر على اكتشافها، ولا يستطيع أن يعدل فيها أو يتحكم فيه، والنوع الثاني: هو ما يسمى بالحاكمية التشريعية، التى تعنى إنزال القوانين الشرعية للإنسان عن طريق الوحى، وهذه - كما قال العلماء - فوض الله تعالى البشر بأن يقوموا بدور كبير فيها سواء فى استثمارها أو التوسع فيها أو إنشاء قوانين جديدة لم تكن موجودة، وهنا يبرز حديث معاذ بن جبل: "كيفَ تَقْضِى إذا عرَضَ لك قَضَاء، قال: بكِتَابِ اللهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِى كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَال: أَجْتَهِدُ رَأْيِى ولَا آلُو"، صحَّحه ابنُ عبد البرّ وابن القيِّم.
ويوضح الإمام الأكبر أن الحاكمية التشريعية موجودة فى نصوص محدودة، وقد أناب الله تعالى الأنبياء فى أن يقوموا بذلك، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ) النساء 105 (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) المائدة49، والقضاء حاكمية، كما جعل الله حاكمية بين الزوجين فى قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) النساء 35، كما أعطى المولى سبحانه حاكمية للبشر فى قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنكُمْ) المائدة 95، فلو حدث وأن اصطاد أحدهم حيوانًا بريًّا وهو محرم، فالقرآن الكريم ينص على أن الحكم الشرعى هنا هو إحضار حاكمين تتوافر فيهما العدالة والخبرة، وهما من يحكما فيه بمماثل للحيوان المقتول فى الخلقة والمنظر أو عليه ما يساوى قيمة هذا الجزاء طعاما، أو عليه ما يعادل هذا الطعام صياما، فهذا حكم بشر، وإذا كان الله عز وجل أجاز التحكيم فى قتل حيوان، أفلا يجيز التحكيم فى قتال الناس، وفى تنظيم حياتهم؟!، وهو ما احتج به عبد الله بن عباس رضى الله عنهما حين أرسله أمير المؤمنين على بن أبى طالب إلى الخوارج ليناظرهم، قائلا لهم: أنا قادم إليكم من عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيهم أحد منكم، مما يدل على أن الخوارج انحصروا وانعزلوا عن بقية الناس، ولم من يكن أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الخوارج.
ثم يذكر أن ابن عباس رضى الله عنهما قال فى استدلاله على حاكمية البشر: " إنا وجدنا الحكومة فى كتاب الله عزوجل أنّه قال تعالى :(فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ( وقال تعالى:(يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فاقتنع بكلامه ثمانية آلاف من الخوارج، وخرجوا من جيش الخوارج، وهذا الكلام يُرد به على كلام الخوارج، وأبى الأعلى المودودي، والقطبيين الذين رأوا أن الحاكمية التى نادى بها سيد قطب تبيح لهم أن يكفروا المجتمع، ولذلك سمعنا منهم أنَّ قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار، وهذا لا يقال إلا فى قتال الكفار للمسلمين.
ويؤكد الإمام الأكبر أن التشريع البشرى أصوله من الله، والاجتهاد وتنزيل الأحكام العامة على حوادث جزئية من صميم الفقه الإسلامى، ناصحًا الشباب بقراءة كتاب "دعاة لا قضاة" للهضيبى، الذى يرد فيه ردًّا مفصلًا ومفحمًا على معاصريْه المودودى وسيد قطب قائلا: لو رفضا القوانين بحجة الحاكمية لعرضنا حياة الناس للفوضى والسرقة، كما أن فى رفضها هدم لحديث: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام".
وأوضح شيخ الأزهر أن 90% مما نعيشه الآن حوادث جزئية ليس لها نظائر موجودة فى القرون السابقة ولا فى الأحكام الجزئية، إضافة إلى ذلك فعندنا مبدأ الاجتهاد، وعندنا الحديث الصحيح وهو : " أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة عام من يجدد لها دينها"، ومفهوم التجديد والاجتهاد بضوابطه الشرعية فى صلب الشريعة الإسلامية، وإن لم نفتح باب الاجتهاد سنقف بالحياة عند فترة معينة، مشدّدًا على أن الحركات المسلحة مزودة بالسلاح وممولة بأموال طائلة لتستميل الشباب إليها مستشهدة بآيات وأحاديث مقتطعة من سياقها، ولذلك فإن الدارس فى الأزهر قديما كان من الصعب أن يقع فى براثن هذا الفكر.
ويختتم الإمام الأكبر حديثه بأن الأزهر لا يتحمل وحده ظهور هذه الجماعات الإرهابية والمتطرفة على الساحة؛ لأن الدولة أيضًا شاركت فى صنع مثل هذه الجماعات على مستوى السياسة والحكم والاقتصاد، وعلى مستوى الإعلام والفن، والآن يُحمَّل الأزهر وحده أخطاء غيره، ويُتَّهم بالتقصير، والحقيقة أن هذا واجب جميع مؤسسات الدولة التى يجب أن تتكاتف وتتعاون للوقوف فى وجه هذه الجماعات التكفيرية المسلحة، ولا بد من صياغة نظام يستوعب فراغ الشباب وطاقاتهم، أما إلقاء اللوم والتهم جزافًا على الأزهر ففيه تجاوز للواقع وتدليس على الناس.
يذكر أن حديث الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف يذاع على الفضائية المصرية عقب نشرة الثانية ظهرًا من كل يوم جمعة.
فى حديثه الأسبوعى غدًا الجمعة..
شيخ الأزهر يطالب بتعديل مناهج التعليم لمواجهة أفكار الإرهاب
الخميس، 12 مارس 2015 03:14 م
أحمد الطيب شيخ الأزهر
كتب لؤى على
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة