أحمد بان

من يجسد الحلم المصرى؟

الإثنين، 09 فبراير 2015 11:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما ترفع رأسك وتتأمل فى كل ما يجرى حولك فى مصر المحروسة، تشعر أنك تحيا فى كابوس حقيقى، وأنه لم يمر يوم على خيالك أن يجرى لدينا كل ما جرى، وتدقق فى مواقف اللاعبين فى هذا المسرح الممتد زمانيا ومكانيا، منذ ثورة يوليو وحتى اليوم وعلى الساحة المصرية وامتدادها فى الإقليم والعالم. آفة حياتنا كمصريين أننا لم نعرف عبر تاريخنا لونا لائقا لحياة سياسية واقتصادية واجتماعية، نفتقدها إن غابت وندافع عن وجودها إذا حضرت، تاريخنا هو تلخيص لتحد كامل واستجابة تأتى دوما ناقصة وقاصرة ومتعجلة ومراهقة فى كثير من الأحيان.

تراوحت الاستجابة المصرية للتحدى الذى واجه أمتنا، بين موجة قومية حاولت استنساخ الدولة القومية فى الغرب دون أن تتجاوز الشكل للمضمون والجوهر، فلم نظفر بالدولة التى تحفظ حقوق أبنائها وتمضى مسيرتها على احترام التعددية السياسية وإتاحة المشاركة فى الحكم والتقسيم الحقيقى للسلطة، تمددت التجربة الليبرالية قبل ثورة يوليو فى الحدود التى رسمتها العلاقة المعقدة بين القوى السياسية من جهة والقصر الملكى وسفارة الاحتلال من جهة أخرى، وتميز فى هذا السياق فى مواقفه، الحزب الوطنى، الذى كان من الممكن أن يتعاظم إنجازه لو انضمت له قوة الحشد الإخوانى، الذى تفرغ لخوض معركة مع حزب الوفد على شرعية تمثيل الحلم المصرى، دون أن يلتحف بالتجرد اللازم للحظة مفصلية كانت تستدعى رص الصفوف فى مواجهة المحتل، والاصطفاف خلف القضية الوطنية ونسيان البرامج الخاصة أو المنافسة فى لحظة لم تكن تهيأت بعد، لتلك المناسبة المفهومة فى دولة راسخة تعززت فيها الديمقراطية وقواعد التدافع السلمى، بدا أن كل فريق يعتقد فى التناقض بينه وبين الآخرين فى الأهداف، رغم أن التدقيق فى الأفكار المجردة كان يقودنا وفق القراءة الموضوعية أنهم كلهم ينشدون الخير لهذا البلد وأن يحيا الناس فيه كراما موفورى الحقوق والواجبات، لم تغب المؤامرة بالطبع، خصوصا مع مظلة الاستشراق التى شرحت أمعاء وتلافيف هذا الجسد، وعلمت أين تستطيع زرع فيروسات الفتنة والشقاق.

لم تكن أفكار جمال الدين الأفغانى وحدها هى التى قطعت شوطا واسعا فى التفرقة بين أبناء الوطن الواحد، بتبنى تنظيم حركى كبير كالإخوان لمقولاتها، خصوصا التناقض بين الدين والوطنية، وأن الدولة القومية عدوان صريح على الدين الذى لا يقبل سوى الدولة القائمة على العقيدة، فى هدم لجل التجربة البشرية التى وصلت إلى هذا الإطار الذى كان إطارا وافيا يجعل المواطنة هى القاعدة، لا المعتقد الذى قدم له المسلمون صورا متعددة تباينت بين سنة وشيعة وحتى تنويعات أخرى داخل كل مذهب، ليتأكد من جديد أن الدولة الوطنية التى تحرر علاقة صحيحة بين حدود الاتصال والانفصال هى الصيغة الأوفى والأسلم لإدارة مصالح الناس وخلافاتهم التى لا تنتهى، بل تعززت حدود جديدة للانقسام بين الناس وفق دوافع متعددة، لكنها كانت كلها تدور فى مساحة هذا التناقض الوهمى الزائف، الذى عقد مسيرتنا وأعاقها وجعل من المسلمات أن الإسلام والقومية لا يلتقيان، خصوصا بعد أن أتخمت تجربتهم حمولة مزعجة جعلتنا نعاين فعلهم فى الدين والسياسة، حيث لم يقدما كل بمفرده ما يستدعى الذكر أو الفخر، حيث أثبتت التجربة أن كلا منهما ظل متربصا للآخر أو متآمرا عليه بهدف إفشاله، فلم تسنح الفرصة لأى منهما أن يصنع تجربته فى جو مواتٍ أبدا، بما يؤكد أن كلا منهما فشل بمفرده فى أن يجسد الحلم المصرى فى الدولة العادلة المزدهرة التى ترفع شأن أبنائها فى كل ميدان، قدمت دولة ناصر وفق ظروفها أفضل ما لديها دون أن تخلو تجربتها بالكلية من سلبيات بعضها كان قاتلا، ولم تقدم دولة السادات سوى نصر أكتوبر الذى بددت ثمراته بالحل المنفرد والدخول فى نفق كامب ديفيد، الذى كرس حكم مبارك ثمراته الصهيونية حتى عده الصهاينة كنزا استراتيجيا لهم أكد استقالة مصر من أدوارها كدولة، وأثقل تركة القادم بحمولة لا يستطيع الفكاك منها سوى باصطفاف شعبى كامل، وتكامل بين الأضداد، من قوى سياسية ومؤسسات دولة وشعب، ربما تدفع فى اتجاه إدراكه حقيقة ما يجرى، تلك الهاوية التى أفلتت منها مصر بعد سقوط دول أخرى كالعراق وسوريا وليبيا واليمن.

لن يحمل حلم هذا البلد تيار واحد بمفرده، ولن تقوده سوى كوكبة ممن طلقوا الأيديولوجية الحدية وظلوا مفتوحى العيون والعقول على روافد الحكمة والعقل والنقل والتجربة والوجدان، وأضيف إليهم التعاون على المشترك وهو كثير. قد يبدو هذا الحديث غير مقبول وقد ارتفع غبار المعارك، وتصدرت المشهد عناوين الثأر والغضب العارم بين الجميع، لكن الحلم فى أن نكون دولة بحق تحقق أحلام بنيها، دولة العدل والحرية والكرامة، وكل المعانى التى مات من أجلها خيرة أبناء هذا البلد، تصرخ فينا أن غلّبوا منطق العقل. الحل ليس كامنا لدى تيار أو شخص، بل هو أقرب إلى خيوط تتجمع إذا توافرت الإرادة والإدراك الصحيح، لتصنع خيمة تحمينا جميعا قيظ الحر فى الصيف، وزمهرير البرد فى الشتاء، وصدق الله العظيم إذ يقول «ولا تكونوا كالتى نقضت غزلها من بعض قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هى أربى من أمة، إنما يبلوكم الله به، وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون».








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة