بالعودة للمقال السابق يود الكاتب أن يطرح موقف الكيان الصهيونى والولايات المتحدة الأمريكية من هذه المعادلات السياسية، إذا صح التعبير، فيكون السؤال: هل من الجائز أو المجدى توجيه ضربة عسكرية مباشرة لمصر لإجهاض كل التحركات الاقتصادية والسياسية لإرجاعها عشرات السنين للوراء كما سبق وفعلوها فى1956 و1967؟!
للإجابة عن السؤال يجب الوضع فى الاعتبار استخدام الرئيس المصرى لمصطلح «معركة بقاء» أو ما يعتبره الكاتب «صراع وجود» بدلا من مصطلح «حالة حرب» مما يعنى أن مصر فى معادلة صفرية، فلا وجود لمصر بوجود العدو، وبقاء مصر يعتمد على القضاء تماما عليه، وليس فقط النصر الآنى، وبناء عليه يجب تأصيل الأمور وهو الأمر الأهم لخلق سيناريوهات منطقية للحلول وربطها مع المستقبل لأجل أن تتضح الصور، ولمعرفة ماذا كان المصير المرسوم وعلى ماذا نحن مقبلون، الأصل هو التقاء المصالح الصهيونية الأمريكية من جهة مع أوروبا من جهة أخرى فى الإصرار على تفتيت المنطقة، وهو ما بدأ التفكير فيه بجدية بعد حرب 1973 ونشأة مشروع كارتر ثم ريجان فيما بعد إلى أن يترجمه صمويل هنتجتون لاحقا من خلال «صراع الحضارات» وتقسيمه العالم على أساس حضارى لا عرقى أو ثقافى، ويأتى على رأس أولويات التفتيت حضارة المسلمين ثم الروس طبقا له، ومع انتهاء الحرب الباردة وتفتت الاتحاد السوفيتى ظن الكثيرون أن الحضارة الروسية قد سقطت، إلا أن الحلم ظل يراود بعض السياسيين فى موسكو خاصة مع حجم الروابط التى تجمع بين دول الاتحاد السوفيتى القديم، وهو ما بدأ فى إعادة تشكيله شاب طامح واعد وصل للكرملين «بوتين» منذ أكثر من 10 سنوات ليعيد التخوفات إلى الذهن الصهيونى الأمريكى مرة أخرى، لتتحدد أيديولوجيا الهدم فى القضاء على الحضارتين (المسلمين والروس) فى ضربة واحدة، أما بالنسبة إلى أوروبا (جزء من الحضارة الغربية وشريك للأنجلو أمريكية) فهى فى الاستيلاء على مصادر الطاقه (الغاز)، وأن تستبدل بالمصدر الروسى المحتكر للطاقة إلى أوروبا، الغاز القطرى ومخزون غاز البحر المتوسط الواعد (المصرى- الصهيونى).. وهكذا تستفيد أيضا أمريكا بسقوط الاقتصاد الروسى المعتمد فى جانب كبير منه على تصدير مصادر الطاقة، ولأن مصدر الغاز الرئيسى الذى يغذى أوروبا حاليا هو روسيا يصبح بوتين الطامح هو مصدر إزعاج حقيقى لأوروبا، فبين يديه مصدر الطاقة للمصانع الأوروبية وأحد أسباب الحياة للمواطن الأوروبى الذى قد يتجمد بردا أو فقرا إن منع عنه هذا الإمداد الغزير، إذًا ماذا هى البدائل؟!
أصبح من اللازم كشف ما وصفه الكاتب باللثام عن وجوه قبيحة تعمدت هدم بعض من الدول العربية، حيث برزت حاجتهم لخلق بدائل تصب فى إضعاف الأطراف الأخرى، وهو أن يتم استبدال روسيا كمصدَر للطاقه، ومد خط غاز من قطر عبر العراق وسوريا إلى تركيا، ومن البحر المتوسط (مصر والكيان الصهيونى) إلى سوريا ثم تركيا، وهى البوابة الخلفية لأوروبا، ولهذا كان التركيز على سوريا المتحالفة مع روسيا، ولن تسمح كلتاهما بهذه الخطة، فكان لزامًا تدميرها وتغيير النظام فيها إلى نظام مفكك، لكنه حليف للولايات المتحدة، وعلى جانب آخر تجد إصرارا روسيا على الدفاع عن سوريا ودعم النظام السورى الحالى، لأن ما يحدث لسوريا موجها لضرب المصالح الروسية من جهة وتأمين المصالح الصهيونية الأمريكية من جهة أخرى، وهما مرتبطتان، بالنظر إلى الخريطة فإنه من المزمع أن يمتد خط الغاز القطرى ليتم الجميع فى تركيا وينتقل عبر شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا ثم إلى أوروبا، وحتى يكتمل مخطط الهدم كان يجب أن يتم تغيير النظام فى أوكرانيا أيضا، فقاموا هناك بتطبيق ما يمكن وصفه بالثورة المزعومة حتى يأتى نظام حليف للولايات المتحدة والغرب، ثم تدخل أوكرانيا عضوا فى حلف الناتو فيسقط عصفوران برمية حجر واحد، أولا: يقوم الناتو بحماية خط الغاز رسميا. ثانيا: وجود قوات أمريكية على الحدود الروسية لأول مرة فى التاريخ، وبالنظر للخريطة مرة أخرى نجد أنه بالاستيلاء على أوكرانيا وبالتحديد إقليم القرم سيتم غلق المخرج الوحيد لروسيا بحريا من البحر الأسود على الشرق الأوسط، وبالتالى قطع الطريق على روسيا تماما من التواجد فى البحر المتوسط والشرق الأوسط كله.
إذن من يسطيع تنفيذ ذلك فعليا على الأرض؟! فكما سبق وتم زرع محمد بن عبدالوهاب وحسن البنا والخومينى فى المنطقه وقيامهم بدور شديد الخطورة «يحرفون الكلم عن مواضعه» يتم زرع تنظيمات إرهابية فى المنطقة مثل الإخوان أو الحوثيين لتكون أشبه بمقاولى الأنفار من الباطن لتوريد القتلة والعمل على الأرض، فتتم مساعدتهم بالمال والسلاح، بل والوصول للحكم فى مقابل تمرير سياسات، والقبول بمعاهدات، وبالقطع توريد الغاز والنفط، وهنا يأتى الدور الذى يلعبه النظام القطرى، حيث يتولى مهمة التمويل والدعم اللوجيستى بل الإيواء فى أحوال أخرى وتمويل الموضوع ده كله حيكون منكم فيكم، كما بدأ بالفعل توريد البترول السورى والعراقى للغرب عبر تركيا الذى سبق أن استولى عليه تنظيم الدولة الإسلامية المنبثق من تنظيم الإخوان.. وهكذا تتحول المنطقة لبؤرة صراع طائفى (سنى- شيعى) (سنى -سنى) مثل النصرة وداعش أو داعش وفجر ليبيا، (إسلامى- مسيحى) وتظل قطر والكيان الصهيونى المنطقتين الوحيدتين الخاليتين من أى صراع، رسمت الخطة واستمرت بنجاح، فتم تدمير العراق وسوريا واليمن وليبيا لتطويق مصر التى سبق أن تم الاستيلاء عليها بوصول تنظيم الإخوان للحكم وبدعم من النظامين القطرى والتركى، وبهذا يتم تحييد أهم وأقوى دولة فى المنطقة وتفكيكها، وبالطبع يقع المحور الخليجى فى نطاق التهديد (باستثناء قطر) الموعودة بتنامى نفوذها فى المنطقة وزيادة رقعتها الجغرافية، هذا ما يوضح استماتة النظام القطرى فى دعم المشروع الإخوانى، لأنه بعد تفتيت السعودية والإمارات والكويت والبحرين يصبح النظام القطرى مستحقا لجائزته الكبرى (حكم منطقة الخليج)، إذًا إما أن تتغير المعادلة وإما أن تسير المنطقة إلى قدر معتم، إلا أنه غير محتوم، ولهذا يأتى السؤال الجدلى الأول: «كيف؟!» والإجابة تأتى فى المقال المقبل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة