أحمد بان

فقه التجديد من أين نبدأ؟

الأحد، 22 فبراير 2015 11:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحت هذا العنوان دعيت لصالون نظمه صندوق التنمية الثقافية بالتعاون مع وزارة الشباب، فى أحد أجمل قصورنا الأثرية قصر الأمير طاز بالقلعة، الذى خضع لإهمال طويل تحول بموجبه إلى مخزن للكتب ملحق بدار الكتب، قبل أن تمتد له يد وزارة الثقافة فى عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، الذى فى تقديرى ابتدع بدعة حسنة، هى ربطه الآثار بالأنشطة الثقافية والفكرية من خلال هذا التقليد الذى تحتضن فيه القصور القديمة التى تنطق بحضارة هذا البلد حوارات ومعارض فن ولقاءات الثقافة والفكر، أدارت الصالون الذى ضم إلى جانب شخصى الضعيف الدكتور الشحات الجندى الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والدكتورة جهاد إبراهيم خبيرة التنمية البشرية وأستاذ علم الاجتماع، بينما أسعدنا بأغنياته وفنه المبدع الدكتور الفنان أشرف عبدالرحمن والملحن وعازف العود الأستاذ كمال عواد، غاب عن اللقاء الدكتورة سعاد صالح التى اعتذرت لظروف خاصة، أدارت الصالون باقتدار واختارت عنوانه اللافت الدكتورة ناهد عبدالحميد مدير قصر الأمير طاز.

بعيدا عن الأجواء الرائعة التى أحاطت بالصالون ما بين الفكر والموسيقى والغناء، والتفاعل بين الحضور وكريم المودة والإفادة التى أدركتها من مداخلات الدكتور الشحات الجندى بعلمه وتواضعه الجم، وكذا الدكتورة جهاد إبراهيم التى أطلقت موجات من الطاقات الإيجابية تداخلت مع سحر أحجار القصر الناطقة، لفتنى عنوان الصالون.. فقه التجديد ثم السؤال من أين نبدأ؟

بدا أن هناك إدراكا عميقا ممن وضع هذا العنوان بأن الأزمة ليست فى الفقه وضرورة تجديده وتوسيع مساحات التفاعل بين النص والواقع استجابة لتحدى الزمان والمكان، بل محاولة النفاذ لأسباب التخلف الذى نعيشه والذى أنتج فيما أنتج داعش وأخواتها، باعتبارها آخر منتجات الركود والتخلف الذى أصاب مسيرة أمتنا، نعم ماذا نحتاج؟ وهل فقهنا بعمق وصدق معنى ومبنى التجديد؟ وهل البداية بتجديد الفقه أم التعرف على فقه التجديد فى كل مناحى حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى تفتح الباب لتطوير كل هذه المجالات؟ هل يمكننا الحديث عن النهوض والتجديد دون أن نتحدث عن العقل مناط التكليف وأداة الإدراك والتخطيط؟ ما هى هموم التحرير والتنوير إذا كنا معنيين بتحرير العقل وفتح الآفاق أمامه وفك عقال قيوده؟ كيف يميز هذا العقل بين المعقول والمنقول ولأيهما ينتصر أم يزواج ما بين الانتصار لكل منهما؟ كيف يوازن بين النص والواقع فلا يسبق أحدهما الآخر كيف نفرق فى النص أو فى العبادة مثلا بين الفعل القاصر والمتعدى ونضع لكل منهما الوزن الذى يناسبهما بما يدفع حياتنا للأمام، حتى يستقيم فى الأذهان أن بناء المدارس والمستشفيات والمكتبات أعظم أجرا وأجدى نفعا من العمرة بعد العمرة أو الحج بعد الحج، ما هى استراتيجيات العقل فى قراءة القرآن مثلا وكيف نميز بين النص الأول، وهو القرآن والنصوص التالية التى تعكسها الشروح والتفسيرات التى تخفى حقائقه أو تشوهها فى بعض الأحيان، أو حتى تسجنها فى حقب زمنية وسياقات سياسية واجتماعية مغايرة لما نعيشه اليوم، كيف نفرق بين ما هو عقدى توقيفى لا مجال للاجتهاد فيه، وما هو حياتى يخضع لتغير الأذواق والأحوال، كيف نفهم تاريخية النص فى حدودها دون تعسف؟ كيف نحدد دائرة الإلزام القطعى فى حياة المسلم وما هى مساحات العفو التى ضيقتها القراءات السلفية أو المجموعات الحركية إخوانية كانت أم جهادية؟ كيف نتجاوز بداوة السلفية والعلمانية معا؟

هل يفى علم أصول الفقه بمدنا بأدوات توليد الحكم الشرعى ومعرفة مراد الشارع؟ أم أننا بحاجة إلى تجديد هذا العلم ذاته الذى لم يخضع هو أو غيره فى الحقيقة منذ نهاية القرن الرابع الهجرى لأى تطوير، إن قانون التحدى والاستجابة لتوينبى فى حال إسقاطه على واقع أمتنا يقول إن التحدى لم يتوقف أبدا بينما تعطلت الاستجابة أو جاءت ناقصة فى أغلب الأحيان بعد القرن الرابع، حيث اعتمدنا على تأبيد استجابة القرون الغابرة لتواجه واقعا متغيرا ظل يتغير مع كل عصر ومصر، متى نطرح ما نؤمن به باعتباره نسبيا وليس مطلقا ونتخلى قليلا عما سماه بعض الباحثين أفلاطونية الحقيقة، التى تركن للسائد وتبرر للأرستقراطية وتحتقر العبيد والنساء وكل مخالف لما تحمله، كيف يتخلى العقل عن الإقصاء الذى يتناقض حتى مع روح الدين ونصوصه التى تقسم الناس إلى مؤمنين ومستضعفين وموقوفين وأصحاب أعراف وضالين، كيف يفقه العقل أولويات التجديد ومنها التدرج الذى لا يواجه الناس مرة واحدة بغير ما ألفوه وخالط دماءهم وأعصابهم ومشاعرهم، ومن ذلك قضية الديمقراطية، ألم نسأل أنفسنا لماذا لا يتفاعل معظمنا مع نداءات الديمقراطية وآلياتها كالحزبية والانتخابات مثلا، يبدو أن السبب كما يشرح لنا بعض الباحثين بأنه ربما فكرة الديمقراطية والحرية أكبر من الإنسان العربى المسكون بأفكار الاستبداد والشمولية وعبادة البطل المخلص، ولابد من تخليص عقله ووجدانه أولا مما علق به أو تنظيفه بالأحرى حتى يكون قابلا لأن يكون حرا ديمقراطيا، فالعدالة والحرية لا تتحدد فى أبعادها السياسية، فحسب بل تتحدد أولا فى أبعادها الثقافية والاجتماعية كشأن كل الأفكار الكبيرة والعظيمة تحتاج إلى تربية ومتابعة وصبر ودأب، ولا يمكن صبها مرة واحدة فى المجتمع بثورة أو فورة مهما كانت نبيلة الأهداف والمقاصد، لينقلب المجتمع فجأة من واقعه الاستبدادى المظلم والمتخلف إلى واقع متحرر ومتقدم وعادل، وهنا تأتى أهمية التربية التى تجيب عن السؤال الثانى من أين نبدأ؟ ولا أتصور بداية مناسبة بعيدة عن بزوغ عقل جمعى لتلك الأمة يضع لها استراتيجية ثقافية وتعليمية، تحدد ما هى مواصفات المواطن الذى نريد؟ ما هى منظومة القيم التى تصنع وحدة هذه الأمة؟ وتشق طريقها نحو المستقبل وتحقق مراد الله فى خلقه، ليس مراد الأهواء والطواغيت لتبقى المهمة والهدف الأسمى تحرير الفرد من خلال تحرير المعنى الصحيح للدين وليس التحرر منه كما يذهب غلاة العلمانيين أو الملحدين، حيث يبقى الدين وتصورنا عنه ثقافة نافعة إذا كان تصورنا عنه صحيحا، وثقافة مدمرة إن وصلنا بيانه عبر عيون الغلاة أو الهواة أو المغرضين.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة