لن أدعوك إلى التفاؤل أو التشاؤم، ولن أحاول أن أثبت لك ما هو ثابت، ولن أنضم إلى فرق النائحين والنائحات التى انتشرت فى صحفنا وفضائياتنا منذ أن ارتكبت «داعش» مذبحتها الوحشية وقتلت المصريين فى ليبيا، لكنى فقط أدعوك إلى تأمل هذا الوجه الذى صدرته له فيديوهات داعش وصورها، هذا الوجه الذى يؤكد ما عجز المثقفون والمفكرون على إثباته، فقد بح صوتنا وأعيت حناجرنا من التحذير من أخطار «الإسلام السياسى»، وامتدت صرخات التحذير إلى الدعوة إلى مراجعة بعض النصوص التى تؤجج الفتنة وتزرع الكراهية، ومضينا نحذر ونحذر، ومضى المبررون يدافعون ويهاجمون، مستندين على ما يملكونه من تعاطف شعبى مع فكرة الإيمان بالله، وفى النهاية وجدنا أنفسنا مؤمنين بالشيطان.
نعم داعش هى الشيطان، ولكل شيطان رسل، ولكل شيطان قناع، ولا تتخذ داعش قناعا أفضل من هؤلاء الذين يتمترسون خلف التراث الإسلامى وتفسيراته الرجعية التى وإن كانت صحيحة فى وقتها فإنها تخولت لتصبح الخطأ بعينه فى وقتنا، وفضل داعش على العالمين هى أنها أثبتت أن هذا التراث بحاجة إلى مراجعة شاملة ليس على طريقة الانتقاء وإنما على طريقة «التطهير».
لم تأت داعش من «فراغ» ولم تستمد مرجعيتها من الهواء، لكنها للأسف أتت محملة بخطاب إسلامى يرى البعض أنه الإسلام الصحيح، أتت لتنقل لنا مشاهد حية من القرون الوسطى، فاختصرت التاريخ فى لحظات وأظهرت أن الوحشية نسمع عنها فى التاريخ من الممكن أن تتحول فى لحظة إلى واقع، فمشاهد القتل حق، ومشاهد الحرق حق، ومشاهد فصل الرؤوس حق، وعلى من يحاول أن يدعى أن هذه المشاهد من «المدسوسات» على التاريخ الإسلامى أن يثبت أن الحسين لم تقطع رأسه ولم يمثل بجسده وليتجرأ أحد المدافعين عن سفك الدماء ليقول حكم الشرع فى بنى أمية ومذابحهم، وليقل لى هل كان هؤلاء السفاحون مسلمين أم كفارا؟
لا أريد هنا أن أدخل فى جدل تاريخى عقيم، لكنى فقط أنبهك إلى أن كل الطغاة «المقدسين» فى التاريخ الإسلام كانوا مثل «داعش» نفس المشاهد ونفس السحن ونفس الحجج ونفس الآيات التى يستشهدون بها، ونفس الأحكام الشرعية التى يستندون إليها، وللأسف نجد إلى الآن من يقدس هؤلاء الطغاة ويعظمهم، ويستميت فى الدفاع عن مجازرهم، ولا أريدك أيضا أن تتخيل أننى هنا أدعو إلى هدم التراث الإسلامى أو تنحيته، وأقصى ما أتمنى هو أن ندرس التاريخ باعتبارها تاريخا لا قداسة فيه لأحد ولا عصمة لأحد، وأن نضع مأثوراتنا فى موضوعها الحقيقى فلا نحكم بيننا بنصوص ثبت لنا أنها كانت صالحة لزمان غير زماننا، فمن تاريخنا سلط علينا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة