غالبا ما تتعثر الكتابة حينما يصبح المشهد داميا، يعجز الفكر أحيانا، ويخرس اللسان، وأنا هنا أعود إلى الكتابة بعد انقطاع ثمانية أشهر فى زاوية ذات طابع ثقافى وفكرى فأجد الدماء وقد غطت شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد!
أعرف أن دماء أكثر من 20 شابا ماتوا فى مباراة نادى الزمالك، أمس الأول، كافية لتصبغ حياتنا كلها باللون الأحمر، لكنى أستأذنك فى أن نترك هذه الدماء قليلا، وأن نحاول النظر إلى ما بعد الأزمة القادمة، ونرى كيف أصبحت أوروبا «قارة كبرى» وأمريكا «دولة كبرى» الرأسمالية «نظرية كبرى» بينما تتهاوى القارات وتسقط البلاد وتنتحر النظريات.
أولا يجب أن نشير إلى مدى اختلاف تاريخ أوروبا عن تاريخنا، فالتحولات الاجتماعية والثقافية التى عاشها المواطن الأوروبى على مدى القرون الستة الماضية كانت عاصفة، بينما ظل العالم العربى مقيما فى «الصمت» طوال هذه المدة مكتفيا بفتات التطور الجبرى على يد هرمى الحكم فى مصر «محمد على وجمال عبدالناصر» بينما فى قلب الحداثة الأوروبية تقف ثورة الطلبة فى فرنسا 1968 كأكبر حركة غيرت وعى العالم أجمع، والفضل كله يعود إلى «رجل رشيد» نظر إلى الاضطرابات نظرة حكيمة واتخذ قرارا شجاعا فمرت العاصفة دون خسائر تذكر.
كانت بداية هذه الثورة على يد بعض الطلبة الذين تمردوا على بنية المجتمع الفرنسى وبوليسية الدولة وهيمنة العقلية الأبوية على الحكام وسيطرة جيل «الحرب العالمية» على مقاليد الحكم، وكانت نقطة الصدام حينما حاولت الشرطة أن تقمع بعض الطلبة المنضمين إلى «لجنة فيتنام الوطنية» فأدت هذه المحاولة إلى تزايد الغضب الطلابى الذى تنامى ككرة الثلج وامتد حتى شمل قطاعات أخرى مثل العمال، وهنا ارتعب الجنرال «ديجول» صاحب التاريخ العسكرى العريض والشعبية الجارفة، وأراد أن يقمع هذه التظاهرات «بالقوة»، لكن «رجلا رشيدا وقتها قال له إن عنف الشرطة تسبب فى تأجيج الاعتراضات وحولها إلى صدامات دامية، ولو تدخلت يد الشرطة القامعة مرة أخرى فسيتضاعف العنف وتنهار الدولة»، وهنا وجد ديجول نفسه فى مأزق كبير فهرب إلى خارج فرنسا ولم يعد إلا حينما تأكد من أن الطلبة غير طامعين فى الحكم، وأن ما حدث ليس أكثر من «جرس إنذار» لشيخوخة النظام.
رجل رشيد واحد رفض القمع فى الوقت الصحيح، فحافظ على فرنسا من الانهيار، وحافظ على شباب فرنسا من القتل، وحافظ على النظام الرأسمالى العالمى بأن طور الرأسمالية لتصبح أكثر إنسانية وعدلا، وحافظ على بنية العقل الأوروبى وتطوره، وحافظ على ريادة فرنسا للمجتمع الفكرى العالمى بأن تصبح حركة طلاب فرنسا علامة فارقة فى التاريخ الفكرى العالمى.
هنا يجدر بنا أن نسأل: أليس منكم رجل رشيد؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد واحمد ابراهيم !!.......تنسيقية........ " جى سوى شارلى شابلن "
الحكمة !!...هى ضالة المؤمن/ة !!....فإن وجدها /ت ؟؟....اضاف/ت !! لإيمانه/ها ؟؟.....رشدا !!
فوق !!
عدد الردود 0
بواسطة:
محب لوطنى مصر
يوجد رجال راشدين ... ولكن