آخر كلمات قالها الملك فاروق للرئيس محمد نجيب، قبل أن يغادر الإسكندرية فوق اليخت المحروسة: «اعلموا أن حكم مصر ليس سهلا»، وبرحيله عن القصر كان أسعد حظا من كل رؤساء مصر اللاحقين، فلم يمت كمدا مثل الرئيس جمال عبدالناصر، بعد كارثة هزيمة ثم مجزرة الفلسطينيين فى أيلول الأسود، على يد العاهل الأردنى الملك حسين.. ولم يتم اغتياله يوم احتفاله بنصر أكتوبر، كما حدث للرئيس السادات قائد الحرب والسلام، ولم يواجه السجن والبهدلة والحقد والانتقام والتشفى مثل الرئيس مبارك، أول رئيس فى تاريخ مصر يدخل القفص، ولم يقف مثل المعزول مرسى مرتديا البدلة الحمراء، ومتهما بالخيانة والتجسس، فاروق أصاب كبد الحقيقة بعبارته الخالدة، وهو يرفع يديه مؤديا التحية لمودعيه، على سطح يخته الملكى، الذى اختفى تدريجيا وراء أمواج البحر.
الأحداث التى تمر بها البلاد ينطبق عليها وصف ملك مصر السابق، «حكم مصر ليس سهلا»، وفى كثير من الأحيان يصبح الرأى العام مثل جبل الجليد، الذى لا ترى سوى قمته فقط، فالناخبون الذين خرجوا فى يناير ويونيو بالملايين، لم يذهب منهم سوى %25 إلى انتخابات مجلس النواب، وبدلا من التطلع للمستقبل بعد انتخاب البرلمان الجديد، بدأت السهام تنطلق نحوه قبل أن ينعقد، الذين رسبوا لم يعترفوا بالهزيمة ولجأوا لنفس الشماعات القديمة، رغم اعتراف الجميع بنزاهة الانتخابات.
ولكن لماذا نتفاءل ونأمل خيرا فى المستقبل، ولماذا لا نعكر الصفو بتضخيم تجاوزات مثل استخدام سلاح المال السياسى، واتهام أعضاء المجلس بأنهم شخصيات ضعيفة ولا تمتلك تاريخا سياسيا؟
إذا تأجلت الانتخابات، قالوا الدولة لا تريد برلمانا حتى تنفرد بالحكم وتهيمن وحدها على السلطة، وإذا تمت الانتخابات بحيدة ونزاهة شهد بها الجميع، قالوا إنها إعادة إنتاج برلمان الحزب الوطنى ورجال الأعمال، وشككوا فى إمكانية تكوين ائتلاف يقف فى ظهر الدولة، يعنى «نخبة» لا يعجبها العجب ولا صيام رجب، ولا تلتقط أنفاسها صبرا حتى تتفاعل التجربة، وتظهر التحالفات والتكتلات، ومن هو المؤيد ومن المعارض، فلأول مرة منذ عودة الأحزاب فى السبعينيات، تقف الحكومة فى العراء دون ظهير يدعمها ويمرر قوانينها، ولم يعد لها زعيم أغلبية يجلس فى المقاعد الخلفية، ويحرك الأعضاء بإشارات أصابعه «موافقة، موافقة».. وانتهت مرحلة حزب الحكومة وحكومة الحزب.
التحدى الأكبر الذى يواجه مجلس النواب، هو تدعيم البنية التشريعية لمواجهة الإرهاب، وألمح فى الأفق بداية هجوم على القوانين التى صدرت فى فترة غيبة البرلمان، وفى صدارتها قانون التظاهر، فى وقت تتسلح فيه الدول الغربية بإجراءات أكثر شدة وقسوة، وليس من الحكمة إعادة طرح هذه القضايا فى الوقت الراهن بطريقة التوك شو، فالبلاد على أبواب 25 يناير.
وتحاول قوى الشر استثمار المناسبة للدعوة من جديد إلى الفوضى، وينتظر المصريون دورا فعالا للبرلمان فى تدعيم الاستقرار، وتكوين حائط صد سياسى بجانب خط الدفاع الأمنى، واستكمال أضلاع مثلث المواجهة «الشعب والجيش والشرطة».
التحدى الكبير الذى يواجه مجلس النواب أيضا، هو ملاحقة خطط الدولة السريعة فى التنمية الاقتصادية والمشروعات الكبرى.
من حق البرلمان أن يناقش ويوافق دون أن يكون معطلا ومعرقلا، وأن يؤسس لعدالة توزيع عوائد التنمية، لتعم على الفقراء قبل الأغنياء، ولا يقع فى خطيئة برلمانات ما قبل 25 يناير،التى تركت الحكومات تنحاز للأغنياء ورجال الأعمال، فاختل الميزان وساد الغضب وعمت الفوضى، التى تخيم آثارها حتى الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة