وائل السمرى

الواقع الذى يقهر العبث

الأربعاء، 23 ديسمبر 2015 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نحفظ جميعا هذا القول المأثور لزكريا عزمى، رئيس ديوان جمهورية حسنى مبارك الذى صار فيما بعد أحد أشهر أدبيات الحياة السياسية فى مصر، قال عزمى فى إحدى صولاته البرلمانية «الفساد فى المحليات للركب»، مؤكدا بهذا القول حقيقة ثابتة يشعر بها ويراها كل من له عين، لكن كان علينا أن ننتظر سنوات قليلة بعد مقولة عزمى، لنعرف أن هذا الفساد ترك الركب منذ زمن بعيد، وغمر الفخذ والبطن والصدر ووصل إلى العقل، حتى صارت أخبار المحليات أشبه بأخبار الكائنات الفضائية خالية من المنطق منزوعة الرأس مجافية لكل عقل، وليس أدل على هذا من ذلك الخبر الذى نشره ملحق جريدة الأهرام الزراعى الذى يقول «إن حى ثانى طنطا بدأ فى تنفيذ مبادرة قمامة بلا ذبابة» التى يرعاها المحافظ سعيد مصطفى كامل محافظ الغربية، وذلك بالاتفاق مع جهاز الطب الوقائى وجهاز شؤون البيئة وأجهزة المحافظة المعنية بالأمر التى قامت برش مبيدات على أكوام القمامة المتراكمة فى شوارع المحافظة!

هذه النوعية من الأخبار تجبرك على تذكر الدعاء القائل «اللهم لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه»، فلا أعرف كيف أصدر السيد المهندس محافظ الغربية هذه التوجيهات؟ وكيف مرت على الإدارات الفنية المتعددة؟ وكيف استقبلها كل مدير إدارة دون أن يندهش؟ وكيف شرع الجميع فى تنفيذها، حريصين على التقاط الصور أثناء تنفيذها؟ والأهم من هذا من الذى اقترح هذه الفكرة الغريبة التى تنتمى إلى عالم العجائب؟ وكيف وصلت إلى ديوان عام المحافظة؟ وكيف تم اختيار مثل هؤلاء المحافظين الذين أجبروا الواحد على الترحم على زمن «إخفاء التراب تحت السجادة»؟
للأسف فإن أى مناقشة عاقلة لهذا الأمر غير ممكنة، لأنه من العبث أن نحاكم العبث بمقاييس غير عبثية، وللأسف أيضا تجبرنى فداحة الأزمة على تجنب المناقشة الساخرة لهذه القضية برغم استحقاقها لعشرات المقالات الساخرة، وللحق فإننى حتى الآن لم أستوعب كيف تخلى عن دوره الأساسى باعتباره قيما على شؤون المحافظة وجمالها وصحة أهلها، وتفرغ هو ورؤساء أحيائه، ليصنعوا مشهدا غرائبيا سيصبح عما قليل مادة خام للسخرية من جميع المسؤولين فى مصر؟

كانت الجماهير ثائرة فى القرن الثامن عشر فى فرنسا من أجل نقص الخبز، لكن مارى أنطوانيت زوجة الملك لويس السادس عشر كان لها رأى آخر، فقالت مقولتها الأثيرة: «إن لم يتوافر الخبز للفقراء فليأكلوا الكعك»، وبرغم أن هذه الحكاية غير مؤكدة تاريخيا، لكنها صارت أمثولة فى العبث والذهان، لكن ما فعلته مارى أنطوانيت يتصاغر ويتقازم أمام ما فعلته محافظة الغربية التى بدلا من أن تزيل القمامة حافظت عليها ورشت مبيدات لتقتل الذباب الذى يتجمع حولها، وليس ببعيد أن يخترع السيد المهندس المحافظ عما قريب مبادرة أخرى لتعطير القمامة بعنوان «قمامة بلا عفانة».









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة