هل تتذكر أولئك الناس؟ هل قلت أعدادهم فى هذا العصر الذى طغت فيه الماديات على كل شىء؟ هل تبحث عن مجالستهم لتتعود على صفاء السريرة وحب الخير وحب الناس والحياة التى لا ضغينة فيها لأحد ولا حقد على أحد؟ إذن كل ما عليك فعله هو أن تتجنب مناطق الزحام المعتادة وتذهب مسرعا إلى ريف مصر الجميل أو إلى صحاريها حيث الصفاء والنقاء والعيش فى بيئة الرضا.
أعلم تماما يا عزيزى القارئ النبيل أنك غير مصدق لتلك المقدمة وتتساءل مسرعا هل تعيش معنا على كوكب الأرض؟ وهل تتعرض مثلنا لضغوط الحياة التى لا تجعلك تهنأ بجلسة مريحة أو نومه هانئة؟ فقد تأتيك المنغصات من جميع الاتجاهات إن لم تكن من ظروف الحياة الصعبة تجدها تأتيك من الضوضاء والإزعاج.
أنت محق يا عزيزى فى عدم تصديقك لكلماتى البسيطة لأنك تركت نفسك (لطاحونة الحياة) لتتقاذفك أمواج البحث عن المعيشة فقط، فقد الهتك منغصاتها عن طيباتها وأهم شىء فى طيب العيش الرضا وراحة البال، أم أن هذه المصطلحات ندر وجودها على أرض الواقع؟
قد أكون أسعد حظا منك يا عزيزى فقد تملكتنى رغبة السفر والترحال فكانت هوايتى المفضلة، فقد جبت مصر كلها تقريبا من ريفها إلى حضرها ومن مدنها إلى بيدائها ووجدت فى مصر الخير الكثير من حلاوة الرضا ولذة راحة البال فكلاهما لا يقدر بأموال العالم فمن المستحل تقريبا شراء راحة البال والرضا والقناعة بالمال فهو فقط إحساس يأتى مع الإيمان النقى والتسليم بقضاء الله وعدله.
وجدت فى صحراء مصر أناس يعيشون على الكفاف فلا يكادون يجدوا ما يستر عوراتهم أو يسد رمق جوعهم ورغم ذلك تستمع لضحكاتهم وكأنك تستمع للضحك لأول مرة فتضفى عليه نقاء السريرة مذاق خاص تجعل الضحك يخرج من القلب وليس الفم فقط، وتجدنى عندما اسأل هذا الشيخ الطاعن فى السن عن أحواله يقول فى رضا يظهر على قسماته المشرقة (الحمد لله حمد الشاكرين).
ثم يكمل الشيخ بكل صفاء سريرة (يا ولدى الدنيا بخير) ثم يتساءل هل تعرف يا ولدى قيمة الصحة؟ فلو لم يكن للإنسان إلا هى لكانت كافية له، ألم تر يا ولدى إن هناك أناس كثيرون يمتلكون الأموال وهم على أتم استعداد لأن يتنازلوا عنها مقابل الصحة فمعنى أن ربى منحنى الصحة فهذا فضل كبير (فقد وفرت المال وتمتعت بصحتى)، ويستطرد مكملا حديثه (يا ولدى فضل الله علينا كبير).
فأجد نفسى مضطر لسؤاله/ ولكن أيها الشيخ الطيب أين أنت من الحداثة والتقدم؟ فيلتفت لى فى استغراب وهو يقول (أى حداثة وأى تقدم تقصد)؟ فأجيبه مقومات الحياة الحديثة مثل (التليفزيون والتليفون) فيبتسم لى وهو يقول (لقد أتيت إلى هنا يا ولدى هربا من الحداثة) فقد شاهدت التلفاز حتى أضاع بصرك وتكلمت فى التليفون حتى قال لك العلماء أنه يسبب الأمراض بسبب كثرة استخدامه، فأراك تركت الحداثة وجئت تبحث عن راحة البال ونقاء النفس، فهل صعب عليك راحة بالى لدرجة أنك تريد أن تبتلينى بما ابتليت أنت به؟
قد يكون محقا هذا الشيخ الطيب وهو يتحدث من وجهة نظره فقد رأى سعادته فى حياته البسيطة حيث تأقلم مع الطبيعة الصعبة بأن أعطاها مجهوده وكده فى وقت أعطته استمرارية الحياة والرضا بما قسمه الله له، فقد جعل الدنيا ومشاكلها والبحث عنها آخر شىء يبحث عنه فارتاح باله.
تركت الشيخ الطيب يكمل مسيرته فى الحياة بكل رضا نفس وراحة بال لتحادثنى نفسى هل يمكنك دمج الحياة بصخبها وحداثتها وتسارع وتيرتها والبحث اليومى عن كل جديد مع راحة البال وسكينة النفس والرضا بالمقسوم؟ اعتقد أن هذا الأمر حلم جميل قد يصبح حقيقة فى يوم من الأيام.
الريف المصرى صورة أرشيفية
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة