فى رأيى أن أهم ثمرة للانتخابات البرلمانية هى وصول 36 مواطنًا قبطيًا إلى مجلس النواب لأول مرة فى تاريخ الانتخابات، وأتمنى أن يتضاعف العدد فى المرات المقبلة، وأن تختفى نغمة مسلم ومسيحى، وتحل محلها كلمة «مصرى»، فالوطن يتعافى حين تختفى الطائفية، ويعود المتربصون إلى جحورهم، والحمد الله أن انزاحت الغمة، وبدأت خيوط الأمل تظهر من جديد. كنا جميعًا خائفين على الوطن من «مرسى» وأهله وعشيرته، فنواياهم وأفعالهم كانت تحمل نذر الشر للمسلمين والأقباط على حد سواء، فكما لم تسلم الكنائس من الاعتداءات الغاشمة، لم ينجُ المسلمون «الرويبضة» من غضب المسلمين «المؤمنين»، وتجسد أمام كل المصريين مشهد الخراب والدمار فى دول الجحيم العربى.. ومن رحم الخوف ولدت «30 يونيو» التى صهرت المسلمين والأقباط فى بوتقة الدفاع عن الوطن، لاستعادته من براثن الجماعة الإرهابية.
دعمت الثورة مفهوم الاستقواء بالوطن والاحتماء بالدولة المصرية، وليس أمريكا والدول الغربية، وكانت الدنيا قبل ذلك تنقلب رأسًا على عقب إذا وقعت حوادث للأقباط فى أسيوط أو المنيا أو سوهاج، وكان الكونجرس يحتج والبرلمان الأوروبى يدين، وسأل الأقباط أنفسهم: لماذا أصيبت أمريكا والغرب بالخرس عندما تعرضنا فى أثناء حكم الإخوان لأكبر عدد من الاعتداءات والانتهاكات؟، وهل أصبحت قضايا الأقباط مجرد ورقة تضغط بها أمريكا على مصر؟
الحل هو مصر، والاحتماء بأحضانها، وكسر العزلة والعودة إلى الحياة السياسية، فهم شركاء الماضى والحاضر والمستقبل و30 يونيو.. بالضبط كما حدث سنة 1919 التى تجلت فيها أروع وأعظم مظاهر الوحدة الوطنية، واتحاد عنصرى الأمة وصمودهم ومقاومتهم الباسلة للاحتلال البريطانى الغاشم وإرهابه وإجرامه، وإقدامه على نفى الزعيم الوطنى سعد باشا زغلول خارج البلاد، وتصديهم للمؤامرة الخبيثة لتفتيت الجبهة الداخلية وضرب الوحدة الوطنية، لا وألف لا فقد كان شعار الثورة «يحيا الهلال مع الصليب».
وفى هذه الثورة الوطنية خطب القساوسة فى منابر المساجد، وخطب الشيوخ فى الكنائس فى مشهد وطنى حقيقى عنوانه «هذه هى مصر».. فهل نحن على أعتاب عودة الزمن الجميل للوحدة الوطنية، والذى لخصه اللورد كرومر بعبارة خالدة «ذهبت إلى مصر فلم أجد سوى مصريين، بعضهم يذهب إلى المساجد، وبعضهم إلى الكنائس، ولا فرق»، وكانت كلماته اعتراف بفشل مخطط إشعال الفتنة بين عنصرى الأمة، وضرب المقاومة الشعبية ضد الإنجليز. هذه هى مصر التى تتعافى إذا تدفقت القوة الناعمة فى عروقها، وأهم عناصرها التسامح والتلاحم والمشاعر البسيطة المشتركة، وأن نتبادل التهانى فى الأعياد والمناسبات، وأن نتشارك فى الأفراح والأحزان، وكم كانت فرحة رائعة عندما دخل الرئيس عبدالفتاح السيسى الكاتدرائية، كأول رئيس مصرى يذهب لتهنئة الأقباط يوم 6 يناير 2015 «كان لازم آجى أقول لكم كل سنة وإنتم طيبين»، وسط الزغاريد والتصفيق، وهتاف «بنحبك يا سيسى»، و«كلنا إيد واحدة»، وعمت الفرحة مواطنى مصر الأقباط، فأصبح العيد عيدين استبشارًا بمرحلة جديدة.
هذه هى مصر التى ترتفع رايتها عالية فى السماء، وتواجه أعداءها بالاصطفاف والتلاحم بين عنصرى الأمة، ففى حرب أكتوبر الخالدة كان الجيشان الثانى والثالث، أحدهما يقوده أحمد بدوى المسلم، والآخر يقوده فؤاد عزيز غالى المسيحى، ويرفرف عليهما علم مصر.. وانتصرت مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة