فى مصر المحروسة ما أغلى ثمن كيلو اللحم من أى نوع.. بقرى، جاموسى، أو غنم، حتى لحم الجمل والحمار غلا ثمنه، فمنذ حوالى أربعين عامًا كان كيلو اللحم على ما أظن يساوى بضعة جنيهات، ربما أو أقل، واليوم صار يبدأ من 80 جنيهًا حتى يصل لـ 160 جنيهًا للحم البلدى، أما المجمد المستورد فأقل بالتأكيد، أى بحسبة بسيطة زاد ثمن لحم الحيوانات القابلة للأكل مائة ضعف ويزيد، وصار أكل اللحم عزيزًا على الفقراء والطبقات المتوسطة.
فى مصر المحروسة صدر قرار منذ أربعين عامًا، وبالتحديد عام 1976 يلزم الأجنبى الذى يتزوج من مصرية أن يودع فى حسابها البنكى شهادات بمبلغ 40 ألف جنيه، والغريب أنه قرار لم يُنفذ، أو تم التحايل عليه بوسائل عدة، بدليل أن هذا المبلغ الكبير فى حينها لم يردع حالات الزواج من الفقيرات المصريات، وأغلبهن كن قاصرات من رجال أغنياء نسبيًا، خاصة من دول الخليج العربى، وهى ظاهرة جميعنا يعرفها ويعرف نتائجها، وشاهدها فى فيلم من أجمل وأقوى ما قدمت إيناس الدغيدى للسينما بعنوان «لحم رخيص».
فى مصر المحروسة الحديثة بعد أربعين عامًا تصدر وزارة العدل المصرية قرارًا منذ أيام بزيادة هذا المبلغ عشرة آلاف جنيه، فيصير على الأجنبى الذى يود الزواج من مصرية أن يؤمّنها بـ50 ألف جنيه بدلاً من 40 ألفًا، أى بحسبة بسيطة زاد ثمن التأمين بنسبة أقل من الربع، وبحسبة بسيطة أيضًا تصير أى جاموسة أو بقرة أغلى من أى فتاة مصرية.
وقد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى، والتعليقات فى الإعلام بعد صدور هذا القرار بالرفض والسخرية، أو الحزن على حالنا، بينما راحت جهات تدافع عن القرار، مثل وزارة العدل ذاتها، والتى أصدرت القرار بأنه قرار من شأنه أن يحد من ظاهرة زواج القاصرات المصريات، وحماية المرأة، أما رئيسة المجلس القومى المرأة، السفيرة ميرفت التلاوى، لا فض فوها، فقد راحت تدافع عن القرار، وقالت إنه يمنع الممارسات الخاطئة.
وبعيدًا عن السخرية أو الحزن، وكذلك بعيدًا عن الدفاع غير المنطقى، دعونا نناقش الأمر بالعقل ولو لمرة واحدة فى حياتنا.
زواج الفتيات الفقيرات من رجال يكبرونهن سنًا من دول، خاصة خليجية، واقع بدأ فى السبعينيات، حين بدأ سعر البترول يظهر أثر ارتفاعه على دخل الأفراد فى هذه الدول، وكان الأمر ظاهرة تستحق الرصد والتصدى لها فى حينها، سواء لأهل الفتاة أو السماسرة أو الشارى ذاته، ورغم هذا فإن هذا القرار الصادر آنذاك ربما كان وسيلة، ولكنها لم تفلح ككثير من القوانين التى يتحايل عليها كل عابر سبيل، بدليل أن الحالات صارت ظاهرة تضخمت. إذن، فهذا القانون لم يحمِ الفتيات المصريات، ولم يقف عائقًا أمام استفحال الظاهرة حين كانت الظروف تسمح باستفحالها، ولكن هل مازال الوضع على ما هو عليه؟، هل مازال الخليجى أو بالتحديد بعض منهم يسافر لمصر من أجل زواج مؤقت وهو محمل بالدراهم؟، أظن الإجابة لا، فالظروف تغيرت، فلا مصر كما الحال فى الماضى، لأن الطموحات زادت، حتى لو بقى الفقر وربما زاد، ولا حال العرب الخليجيين كما كان فى الماضى، وحتى لو كان الحال ذات الحال فكيف بوزارة العدل أن تظن أن الـ 40 ألف جنيه فى السبعينيات على قيمتها العالية آنذاك لم تردع هذه الظاهرة، فإذا بها تجعلها 50، قال إيه عشان تصعب الحكاية!
إذن، فكل العوامل تغيرت، فلا المصرية كما كانت فقيرة أو غنية هى آخر مراد الخليجى فقيرًا أو غنيًا، ولا الخليجى هو النمط التقليدى الذى يأتى بالدراهم والريالات ليبعثرها تحت أقدام الراقصات أو صغار الفتيات، لأن المال أصبح عزيزًا أولاً، ولأن العقليات والطموحات اختلفت.. شىء واحد بقى على حاله للأسف، أسلوب التفكير والنظر لحلول للمشكلات.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد فوزي عفيفي
لماذا؟
عدد الردود 0
بواسطة:
رافت
مناقشة موضوعية
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري صميم
معك حق
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود صالح
هل هى فلذات الاكباد