عن الحرب
رجلٌ يُقَلِّمُ فى الظلامِ عصاهُ،
يحشو بُنْدُقيَّتَهُ،
ويَفْتِلُ شَعْرَ شاربهِ
: سنهزمهم غدًا
فى البيتِ تجتمعُ القبيلةُ
: جَدُّنا أعلى، وهم متآمرونَ
غدًا سنهزمهم غدًا
طفلٌ ينامُ
وفى يديْهِ حصانُهُ الخشبيُّ،
أَرهَفَتْ القرى آذانها،
وعوتْ ذئابٌ فى الحقولِ،
وعادَ عصفورٌ إلى أفراخه
بالليل تصطكُّ العصيُّ،
وتُكْسَرُ الأبوابُ،
تدوى طلقةٌ، فيُراعُ شعبٌ من دجاج البيتِ
تصرخُ نسوةٌ، ويجفُّ نعناعٌ،
ويذبلُ وردُ نهر النيل
أمى تعبئُ زيرَها وتقولُ:
سلِّمْ أيها الربُ الكبيرُ
وأوقف الحربَ التى لا تنتهي
2
نشيد
لفتاةٍ تَفْتَتِحُ القولَ،
ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ
إذا عَصَفَتْ بالقلبِ،
وأيَّدَها الشوقُ،
وحدَّدَها المطلقُ،
وانفتحَ المُغْلَقُ،
وانفجرَ البَوْحُ،
فلا روحَ، وريحانَ، ولا آنَ،
سوى تلك اللحظةِ سأغنِّي،
وسأبصقُ فى وجه التاريخ الكذَّابِ،
وأنضمُّ إلى كلِّ مظاهرةٍ يشعلها الإنسانُ،
وأستودعُ كلَّ الفقراءِ غنائى وبكائي،
ولأمي
حاملةِ لواءِ الماءِ إلى القمحِ،
وعاليةِ الصرحِ،
أدينُ، وأدنو من خطويَ
لأصدِّقَ دعواتِ يديها
فعليها من سعفِ النخلِ،
وأشجارِ الصفصافِ،
وعيدانِ السمسمِ ما يكفي،
وإليها ما اكتَسَبَتْ من مجدٍ روحي،
وإلى أصحابى أبوابي
صُنَّاعِ المفتاحِ، الأطهارِ، لصوصِ التِّفاحِ،
المُتَبَعِينَ، الأتباعِ،
وقطَّاعِ الحُرَقِ الموصولةِ،
أبناءِ الطرقِ المجهولةِ،
وعيالِ الليلِ، مواويل الويلِ،
وسيلِ الصحراءِ، وخفراءِ الحلمِ،
وأسيادِ العالمِ، وسلالمَ خلق اللهِ إلى اللهِ،
وأفواهِ الأشياءِ، وأشلاء النورِ،
وسورِ الضعفاء، و وصفاءِ الحريةِ،
وأصابعَ شهداء الثورةِ فى وجهِ العورةِ،
وخوازيق الساسةِ والسلطةِ،
والبلطةِ فى وجه الحكام الدمويينَ،
سأرجعُ منصاعًا، ومَشَاعًا لسناهم،
ولبَركةِ ما تهبُ رؤاهم،
و بساحة سيِّدنا الحبِّ
سأقفُ وأتوسلُ للعالمِ أن يمضيَ
ما زالتْ روحى جاهزةً للسعي،
وكفى بيضاءَ بلا سوءٍ،
وعلى أعرافِ المشهد أبناءٌ
معصومونَ من الحدث يغنونَ،
و قلبى قطعة موسيقى،
و دمائى نهرٌ من عسلٍ،
غافلتُ الجندَ، و حاذيتُ الشهداءَ،
فسبقونى للخلدِ بأغنيةٍ،
وجناحين من النور،
وبضعةِ أمتارٍ من طلقة قناصٍ،
وبوسعى ما دام العالمُ يتبعني،
أن أعبرَ بالناسِ إلى الناسِ
خفافًا من كل مجنزرةٍ،
و بوسعى ما دام الوردُ على الأرضِ بوسعي
أن أخرج حنجرتى
وألوحَّ لجميع الأحياء تعالوا سنغنِّي
3
رجلٌ متأخرٌ وامرأةٌ أخيرة
أجلْ
كانَ لابدَ أن نستريحَ قليلًا،
ونُدْنى كلَّ الفراشاتِ من مَقْعَدينا قليلًا
لأهمسَ: إنى أحبكِ،
لكنَّهُ الوقتُ فاتَ،
أنا الرجلُ المُتَأَخِرُ دهرًا،
وأنتِ البلادُ التى أغْلَقَتْ دونَ قصدٍ نوافذها،
والقطارُ الأخيرُ الذى لم يَسَعْهُ انتظاري،
مع الريحِ جئنا
غرَيبينِ لا وجهةٌ أوقَفَتْنا،
ولا أنصفتنا المواعيدُ يا بنتَ عمي
بريئَيْنِ إلا من الأمسِ، والذكرياتِ التى لا تُدَواى،
كبحارةٍ أجهشوا بالحنينِ لأولِ مرسى
وقفنا نلوِّحُ من شرفةٍ للبعيدِ: انْتَظِرْنا
وهيِّيءْ لنا سُلَّمًا للصعودِ إلى ما نريدُ
وكانَ المدى حينها مُسْرِفاً فى الغوايةِ
بعدَ انحسارِ المسرَّاتِ عن ساحلِ العمرِ،
والأرضُ فوضى،
وكانتْ بلادٌ مصابيحها الوهمُ تعوي،
وكانتْ مساميرُ من يصنعون الصليبَ لكلِّ نبيِّ
تدقُّ عظامي،
وكنتُ وحيدًا،
معى كلُّ ما خبَّأتْهُ القرى من بيوتٍ،
وما أنْضَجَ الشيخُ فى قِدْرِ روحي،
معى صوت أمى سلاما وحلوى
وما أسقطتْ نخلةٌ فى الجنوبِ البعيدِ من التمرِ،
ما دسَّهُ حقلُ قمحٍ، مواويلَ تمشى فأمشي،
معى كلُّ ما أحرقته المسافاتُ عامدةً من غناءٍ،
وما دوَّنَتْهُ المنافى من الجوعِ، والبردِ،
والركضِ خلفَ المجازِ العنيدِ على عتباتِ الليالي،
وما خلَّفَتْهُ البناتُ اللواتى تَقَاسَمَنَ قلبي،
معى أصدقائى مريدو ضلوعي،
وما زلتُ وحدي
وأنتِ على بركةِ الغيبِ صفصافةٌ من ضياءٍ
تَفُكِّينَ شَعْرَكِ،
كى تضعَ الحربُ أوزارها،
كى تطيرَ العصافيرُ للجانبِ الخَصْبِ،
دونَ رصاصةِ غدرٍ،
وعيناكِ أخرُ حدُّوتَتَيْنِ لطفلٍ رَمَتْهُ المحطاتُ مثلي،
وكفَّاكِ غُصْنانِ مالا فقالا، وقالا،
ونهداكِ قُمْريَّتانِ تنامانِ دونَ ضجيجٍ،
وخَصْرُكِ موسمُ جمعِ المجرَّاتِ من حقلها فى الأعالي
على حينِ ما لستُ أدري
كما يفتحُ الليلُ أحضانه للسكارى،
كما تستعيدُ المراعى غزالًا شريدًا،
كما تلتقى دونَ سابقِ معرفةٍ موجتانِ التقينا،
نما الريشُ فى ساعدينا فَطِرنا،
وأَرْخَتْ لنا غيمةٌ شالها فاسترحنا،
خَفِيفَيْنِ مثلَ الندى فوقَ خَدِّ الصباحِ
ومُمْتَلئينِ بما يشعلُ الحزنَ غيظا،
وكنتُ أعلِّقُ ليلى على حَبْلِ شَعْرِكِ
حتى يجفَّ اختبائى وراءَ الشبابيكِ وحدي،
وكنتِ اعتذارَ الحياةِ المثالى عن كلِّ ما ليس يُحْكى
وكان عليكِ احتضاني،
وكانَ، فذبنا
ومثلَ انسحابِ عصا عازفٍ من عروقِ الكَمَانِ انسحبنا،
غريبَيْنِ يستأذنانِ الشوارعَ
فى أنْ تمنَّ بحائطِ مَبْكَى
موضوعات متعلقة..
حسن عامر وشيماء عزت يفوزان بجائزة بيت الشعر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة