وقفت السيدة العجوز حائرة داخل اللجنة ثم قالت لمن حولها "ساعدونى عشان أحلل الـ200 جنيه يا جماعة" تقصد الرشوة التى لا تعرف أن اسمها كذلك.. هى عندما حصلت على المبلغ من مرشح لا أظنه شريفًا على الإطلاق كانت تفكر فى أسرتها وربما ثمن علاجها.. المسألة برمتها لا تعنيها بالمرة وقصة الديمقراطية والشعارات خارج حساباتها.
لا تبدى اندهاشًا عندما تشاهد رجلاً أذله الفقر وكسر هامته.. ينهش الجوع أحشاءه.. يحنى ظهره طلبات بسيطة لأطفال عجز عن تلبيتها.. لا تندهش عزيزى حين تسمع الرجل يفاصل سماسرة الشياطين الذين سعوا إلى الحصانة.. لا تندهش أيها النخبوى المشوه على شاشة التلفاز وأنت تشاهده فى فيديو يفاصل فى قيمة بيع الضمير.. هو كما قلت لا يراه كذلك فلا ضمير مع الفقر والحاجة، ولا ضمير أمام العجز عن توفير لقمة العيش ولا ضمير أمام الفشل فى شراء الدواء.
"أبيع صوتى لأول مشتر آتٍ".. لا تضحك أرجوك.. بل أبكِ إن كنت ما زلت تحتفظ ببقايا إنسانية.. أو اضحك سخرية ليس من المرتشى بل من نفسك ومن دولة عجزت عن توفير أبسط متطلبات الحياة لشعبها فقتلت فيهم الولاء والأمل.. لا تضحك ولا حتى تبتسم وقل لى بالله عليك: أيهما أهون إن يبيع المواطن صوته أم يبيع كليته أو طفلته كما يحدث فى وطننا؟
لا تضحك على عنوان المقال "أبيع نفسى لأول مشترٍ آتٍ" كما ضحكت على الشاعر اليسارى فى فيلم "مرجان أحمد مرجان" للفنان الكبير عادل أمام.. فالمشهد فى الواقع حزين يستحق البكاء.
يستحق البكاء لأن مرشحًا ارتكب هذه الجريمة قد يكون نائبًا غدًا.. يستحق البكاء لأن ما يحدث يعبر عن حالة مضنية من الفقر وقلة الحيلة.. يستحق البكاء لأن المشهد لا يبشر بخير.. يستحق البكاء لأن هناك أشخاصًا أسموا أنفسهم نخبة ينظّرون وينتقدون مواطنًا باع صوته كى يعيش يومًا.. يتناسون أنهم أو كثير منهم باعوا أنفسهم ولكن بمبالغ محترمة.. يذكرنى هؤلاء المحسوبين على النخبة بمن يهتف فى المصريين: جوعوا من أجل مصر!.. اسمعه يكرر عبارته هذه وأتساءل فى كل مرة: ألا يمكن أن تتنازل عن حياتك المرفهة وتشاركنا نحن الشعب فى بناء الوطن؟ .. أبيع صوتى لأول مشترٍ آتٍ
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة