من الواضح أن حزب النور لا يريد مغادرة الساحة السياسية فهو قد حصل على عشرة مقاعد فى البرلمان فى مناطق نفوذه الأساسية فى البحيرة والإسكندرية ومطروح، وأظن أنه لن يحصل على مثلها فى الجولة الثانية حيث لا يوجد مناطق نفوذ كبيرة له كما كان فى الجولة الأولى باستثناء محافظة كفر الشيخ وشمال سيناء وربما نفوذ محدود ومتناثر فى بعض المحافظات الأخرى لا يقوى على حصد الأصوات وإنجاح المرشحين، وربما تكون محافظة الجيزة نموذجا لما قد يواجهه الحزب فى الجولة الثانية من الانتخابات، إذ جاء مرشحوه فى مراحل متأخرة بالنسبة للمرشحين الآخرين رغم أن الجيزة كانت أحد معاقل الحزب من قبل، بيد أن تحولات الحزب فى الذهاب نحو الدولة وتحولات الإسلاميين فى المحافظة نحو مهاجمى الحزب المتحالفين مع الإخوان أفقدته قاعدته هناك.
ما هى خيارات حزب النور بعد نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التى حصل فيها الحزب بالكاد على عشرة مقاعد، يتحدث ياسر برهامى عن تفكير قوى فى الانسحاب من الجولة الثانية فى الانتخابات، وهذا فى تقديرى أفضل للحزب لأن خوض الجولة الثانية لن تكون كالجولة الأولى ولن يكون قادرا على تحقيق نتائج جيدة.
بيد أن ذلك ليس هو السؤال المهم فإن بعض قيادات الحزب والمنتمين إليه تقدموا باستقالات وفكر رئيس الحزب نفسه فى تقديم استقالته، كما تحدث قادته عن الانسحاب من جولة الإعادة، المهم هو مستقبل الحزب السياسى وخياراته فى المرحلة المقبلة هل سيمضى فى العملية السياسية إلى نهايتها؟ أم أنه سيعود إلى بداياته الأولى وينصرف إلى الدعوة والتأهيل العلمى لأبنائه ويأخذ برأى أهم مشايخه وهو الألبانى حين قال من السياسة ترك السياسة، أم يؤجل العمل السياسى فى اللحظة الراهنة الصعبة جدا عليه ويبقى بابه مفتوحا حين تحين له الفرصة، وفى فترة التأجيل تلك يقوم بالتأهيل السياسى لأبنائه وكوادره.
كنت من الداعين إلى أن يعود حزب النور إلى بداياته الأولى ويؤسس للعمل العلمى وبناء شخصيات قادرة على إشاعة التكافل والتراحم فى المجتمع بعيدا عن منازع السياسة القائمة على التحزب والصراع الذى قد يصل إلى حد الكراهية، بيد أن هذا الخيار لا يبدو مرجحا لدى الحزب وهو يشعر أنه خطى طريقا لابد له وأن يكمله ويستمر فيه.
الخيار الثانى للحزب إذن هو الاستمرار فى العملية السياسية كحزب صغير داخل البرلمان يبدو فيه وكأنه يحقق وظيفة رمزية للنظام السياسى وللدولة المصرية المحافظة والتى تعتبر الدين ضروريا لها، ومن ثم فهى تريده حزبا إلى جوارها وفى محاضنها ولكن فى الحدود التى ترى الدولة أنه لا يمثل استفحالا أو تهديدا.
الخيار الثالث وهو خيار التأجيل للعمل السياسى مع إمكان العودة إليه حين يحين الوقت المناسب لذلك وتخرج الحالة المزاجية ضده إلى حالة من السواء والاتساع بحيث يمكن قبوله كلاعب طبيعى متجاوز لحالة التهديد التى عبرت عنها الحالة الإخوانية.
هذه هى الخيارات الممكنة، بيد أن الحزب سيشعر بالخزى لو انسحب من طريق العمل السياسى الذى خاضه، وهذا الشعور فى تقديرى هو ما يحول دون إعلان انسحابه والعودة مرة أخرى إلى قواعده وهو ما يجعله يوسوس لنفسه بالاستمرار حتى يرى ويتبين له الحدود الممكنة لبقائه فى المجال السياسى.
أعتقد أن حزب النور فى علاقته بالسياسة لن تقوم على الاطمئنان كما كانت قبل أن يخوض انتخابات 2015، وسيظل سؤال العودة مرة أخرى إلى بداياته ملحا وقويا، وأعتقد أيضا أن دور حزب النور فى البرلمان المقبل والسماح له بالقيام بذلك الدور الذى يتوافق مع معتقداته وأفكاره سيكون أمرا مؤثرا جدا فى توجهاته المستقبلية وخياراته التى أشرنا إليها عاليه، لا يزال مستقبل حزب النور مرهونا بقدرته على أن يؤدى دورا يبدو فيه متسقا مع أفكاره وجمهوره، وحين لايكون قادرا على فعل ذلك فإن خيار العودة للدعوة أو تأجيل الانخراط فى العمل السياسى هما الخياران المتاحان أمامه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة