عمرو خالد

هذه مهمتك فى الحياة.. فاعمل لها!

الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنا قد تساءلنا فى نهاية المقال السابق: هل يمكن أن تشكل عقيدة المسلم دافعًا له للعمل عشر ساعات يوميًّا بإتقان، وهل لدينا فكرة قوية فى الدين تحفز الناس للعمل، وأى فكرة هذه؟ كان ذلك فى سياق البحث فى العقيدة عن الأهداف والغايات الأساسية من خلق الإنسان «إعمار الأرض» كهدف أعظم له فى الحياة، من خلال الاستجابة للتكليف الإلهى الذى أمره الله به، حين حمله «الأمانة» دونًا عن غيره من المخلوقات، ولا يمكن لمن كُلّف بالأمانة أن يخونها، لأنه بذلك يخالف أمر الله، وحاشا لله أن يكلف الإنسان بأمر لا يطيقه، أو يحمله مسؤولية أكبر من قدراته، لأنه الخالق، وهو أعلم بمن خلق.

وجاء القرآن ليؤكد هذا المفهوم «إعمار الأرض» بإعلان غير مسبوق فى تاريخ البشرية، حين أشار إلى الإنسان بوصفه الخليفة المكلف بإعمار الأرض، «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً»، ليتحدد بهذه الكلمات الشديدة الوضوح الإجابة على أهم سؤال فى تاريخ البشـرية: لماذا خُلِقنا؟ وما الهدف من وجودنا على كوكب الأرض؟

وهذا هو أول سؤال فى العقيدة، تحدد الإجابة عليه هدف الوجود ومهمة الإنسان على هذا الكوكب: أنت الخليفة المسؤول عن إعمار الأرض وإصلاحها بالعمل، والكون كله مسخر لك، لتكافح وتعمل لأداء مهمتك، ومن هنا كان سجود الملائكة لأبيك آدم، إنها سجدة الاعتراف بالمهمة العظيمة لهذا المخلوق الجديد.

ما هى واجبات هذا الخليفة؟ يعمل ليعمر الأرض وفق مراد الله.. إذ لا خليفة بلا عمل، فالعمل من لوازم الاعتقاد، ولأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فقد صار العمل هو جوهر الاستخلاف، إما أن تعمل بجدٍّ وإما تكون ناقصَ الإيمان.

وبمعنى آخر: صار العمل كل العمل (طب، وهندسة، ومعمار، وفنون، وتكنولوجيا، وأدب، وفكر، وزراعة، وصناعة، وتعليم، وخدمات) هو جزء من عقيدة وإيمان المسلم، بل صار العمل جزءًا أساسيًّا فى مركزية حياة المسلم، استجابة لتكليف الخالق، وهذا هو المقصد الأصيل من خلق الإنسان.

حين طلب الله من الملائكة أن تسجد لآدم، واستجابوا له طائعين «فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلّهمْ أَجْمَعُونَ»، كان ذلك بمثابة إعلان عام للملائكة بدور الكائن الجديد، فالإنسان مكتوب فى بطاقته التعريفية لدى الملائكة «الخليفة».. هكذا أنت معرّف عندهم من يوم سجدوا لأبيك آدم.

إن أداءك لدورك كخليفة يشبه امتلاكك لبطاقة ممغنطة تجعل الملائكة تفتح لك الأبواب احترامًا وإجلالًا، لأنك تذكرها عند أدائك لوظيفتك فى الكون بسجدتها الأولى لأبيك آدم.

إن الإعلان الإلهى عن خلق الكائن الجديد (الإنسان) جاء مرفقًا ببيان المهمة المطلوبة منه، هذا الارتباط والتلازم بينهما تأكيد على أنك ما خُلقت إلا لهذه المهمة، بل إن تسميته بمجرد خلقه كانت تسمية بحسب وظيفته وهى الخلافة، فلم يقل إنى جاعل فى الأرض بنى آدم، لكن سماه بالوظيفة: «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً»، وهذا يدل دلالة بالغة على إبراز هذه الوظيفة والتأكيد عليها، ولايزال القرآن بعد هذا الإعلان الأول يُعظِّم هذه المهمة، ويُبيِّن محتواها وأهدافها عبر كل سور القرآن.

ثم إنك ما خلقت إلا لهذه المهمة، لأنك مصمم لها وهى مصممة لك، فما وضعه الله فيك من إمكانات وقدرات لم يكن اعتباطًا، حاشا لله أن يكون فى أفعاله ما لا يصدر عن حكمته.

فما أودع الله فيك من إمكانات وقدرات ليس جائزة أو هدية عرضية فى عالم تحكمه الصدفة، بل كانت لهدف هو ذاته الهدف من خلق الإنسان.. عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فِيمَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِـمَا خُلِقَ لَهُ».. فعندما تُؤمن أنَّك خُلقت لتكون «الخليفة»، وتُؤمن أيضًا أنَّك ميسَّـر لذلك.. فإن مجرد إيمانك بذلك سيُقدم لك مزيدًا من الطاقة للعمل، وبذل الجهد فيما خلقت لأجله.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة