انتاب المصريين، خاصة الشباب منهم، شعور باليأس، وإحباط على وقع الأحداث السيئة التی شهدتها مصر خلال الفترة الأخيرة، بعد أزمة غرق الإسكندرية، وحادث تحطم طائرة الركاب الروسية، وهذا أخطر ما فی الأمر، لأنه يجعل البعض يرسم صورة قاتمة لحاضر ومستقبل الوطن، فيرى كل شىء حوله من منظور سوداوى، حيث لا أمل فی غد أفضل، ولا طاقة نور يمكن أن تضىء أمامه الطريق نحو المستقبل. الأمر ليس بهذه الصورة الشديدة السواد، فالحياة ليست أبيض وأسود فقط، فهناك العديد من الألوان الأخرى، وهو ما يجعلنا متمسكين بالأمل فی تحسين أوضاعنا وظروفنا، فإذا أغلق باب، هناك أبواب أخرى يمكن أن تفتح أمامك إذا طرقتها.. لا تستسلم للفشل، إذا فشلت مرة، حاول ثانية.. كن مثل النحلة.. لا تكل ولا تمل.
لا حل أمام الشباب إلا من خلال الحلول الفردية.. نحتاج أن يؤمن الشباب بأن النجاحات الفردية هی الطريق لمستقبل أفضل لهم أنفسهم كأفراد، ولمصر كلها، لأن مصر ستنجح بنجاح مجموع أفراد الشعب. علينا أن نؤمن بالحلول والمبادرات والنجاحات الفردية للشباب، ونشجع هذه النجاحات وندعمها بقوة، والعجيب أن أعظم الناجحين فی تاريخ مصر نجحوا بمبادرات فردية.. اجتهدوا وتعبوا وبذلوا وأبدعوا.. إنهم كما يسميهم الكاتب الروائی عمر طاهر «صنايعية مصر»، منهم نجيب الريحانی، أبوالكوميديا والمسرح، ونجيب المستكاوی، رائد الصحافة الرياضية، وقبله لم نعرف معنى صحافة رياضية، وأنيس عبيد، رائد فكرة ترجمة الأفلام الأجنبية إلى العربية، والشيخ مصطفى إسماعيل، صاحب المدرسة الصوتية المتفردة التی مكنت الريادة المصرية فی وجود قارئ القرآن المصری فی كل مناسبة عربية وعالمية، ومنهم كابتن محمود الخطيب، والفنان يحيى الفخرانی، والفنان محمد صبحی، وغيرهم كثير.. لابد أن نؤمن بأن الشباب المصری الآن بينهم مئات الآلاف من هؤلاء «الصنايعية»، هذا هو دور الشباب، وهذا فقط واجبنا نحوهم.. مصر تحتاج مبادرات ونجاحات شبابية.. لا تفعلوا شيئًا، فقط شجعوا «الصنايعية».. لن ننجح ولن نتحرك للأمام إلا بثقافة العرق والعمل.. إذا بقيت فی البيت مستسلمًا واضعًا يدك على خدك، حتى تجد الوظيفة المناسبة، فالأمر قد يطول وتستمر لسنوات على هذه الحال من البؤس، تضيع فيها أجمل سنوات العمر دون أن تستثمرها بما يعود عليك بالنفع.
والعجيب أن الدين الإسلامی هو دين الجهد والعمل، لكننا نسينا ذلك، والله يقول «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ»، فالعبادة نوعان، عبادة تقديس، صلاة وصيام، وعبادة تعمير، إنتاج وبناء، والله يقول «إِنِى جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً».. أنت الخليفة المسؤول عن إعمار الأرض وإصلاحها بالعمل، الكون كله مسخر لك، لتكافح وتعمل لأداء مهمتك، ومن هنا كان سجود الملائكة لأبيك آدم.. إنها سجدة الاعتراف بالمهمة العظيمة لهذا المخلوق الجديد، ما واجبات هذا الخليفة؟، يعمل ليعمر الأرض، وهذا هو مراد الله.. إذ لا خليفة بلا عمل، فالعمل من لوازم الاعتقاد، ولأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ فقد صار العمل هو جوهر إيمانك؛ إما أن تعمل بجدّ أو تكون ناقص الإيمان، وقد ورد لفظ العمل فی القرآن 371 موضعًا بأكثر من صفة.
وسورة العصر « وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِی خُسْرٍ»، على قصر آياتها، فإنها تحتوی على رسالة عظيمة وبالغة الأهمية لنا، فالعصـر فی اللغة معناه ضغط الشـىء ليخرج أفضل ما فيه.. ومنها جاء معنى العصير، وهی ضغط الفاكهة لتعطی شرابًا حلوًا، ومنها أيضًا قوله تعالى: «وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً»، المعصـرات: «السحاب»، أى: يتعصـر السحاب ليخرج منه ماء حلو، وكأن الله يقول لك:
اعصر عمرك عصرًا، احذر من تضييع عمرك، اعصره لتخرج أفضل ما فيه لخيرك وخير البشر، اعصـروا أعماركم أيها الناس، وإلا تعصـروا أعماركم.. «إن الإنسان لفی خسر». وهناك أيضًا سورة «التين»، والتين هو رمز للثمرة التی تتحدى الأغصان المجدبة والقحط المسيطر، ورمز لما يمكن أن يفعله بعضنا عندما يقدمون الواجب على الحقوق، رمز لمن يعمل مهما كانت العوائق، يعمل بلاتوقف.. عندما هاجر النبی صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، كان اسمها يثرب، وهو اسم دينی عند العرب، فحول اسمها من اسم دينی لاسم مدنى.. لم يحول اسمها إلى اسم دينی آخر مثل «المحمدية» أو «الإسلامية»، ويرفع يافطة دينية، لكنه حولها إلى اسم مدنى: المدينة.. من المدنية أی العمل والإنتاج والانطلاق نحو الحضارة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة