فى خطبة الجمعة كان الناس يتململون من طول ما تحدث الخطيب، لكن قدسية المكان منعت كثيرين من الاعتراض، إلى أن بدأ الرجل يغرف من روايات الأثر ليجذب انتباه المصلين، بدأ الرجل برواية السيدة التى ذهبت لسيدنا داوود فسألته «هل ربك عادل أم ظالم..؟» إلى نهاية القصة التى تتلخص فى أن طائرا خطف غزلها وبالتالى عادت لبناتها دون طعام، وتكتمل الحبكة برجال يأتون للنبى داوود ويتصدقون لأنهم نجوا من الغرق بسبب قطعة الغزل التى ألقاها إليهم طائر فسدوا بها خرق السفينة، الدرس المستفاد من القصة أن الرضا بقضاء الله من لوازم إيمان المسلم لأن الله سيبدله خيرا، وبناء عليه فقد رضينا نحن بأن يكون هذا الخطيب واحدا ممن يشكلون وعى الناس.
عند هذه المرحلة المتدنية من الفهم الدينى، لا تسأل عن التجديد أو التنقيح أو إعلاء الترغيب على الترهيب، لا تحاول فالمعركة فى مكان آخر وليست هنا.. عند الذين أخبروا هذا الرجل أن أنف المرأة عورة ولم يخبروه أن يتحرى الصدق فى الروايات التى يذكرها من فوق منبر رسول الله، بكل تأكيد لذته، حين يقشعر بدنه بصيحات المصلين الغارقين فى الاتعاظ، تنسيه أصول النقل ما دام الغرض شريفا، لسوء الحظ، يُطعن هذا الإسلام فى اليوم ألف مرة بداعى حسن النوايا وإباحة المحظور للضرورة ودفع الضرر بكذبة صغيرة قال عنها الكاتب الساخر- الكافر من وجهة نظر خطيبنا- مارك توين: «الكذبة تسافر حول نصف الكرة الأرضية قبل أن ترتدى الحقيقة حذاءها»، لم يتوقع أبدا أنها من الممكن أن تحملك إلى الجنة أيضا.
تلك القصة الخطيرة التى لا أصل لها فى الأثر، واحدة من مئات مثلها تهين قيمة العقل المسلم العادى، لا أتحدث عن مصطلحات الخلاف بين الفلاسفة والمتصوفة والفقهاء حول العقل الفاعل أو العقل الناقد، نتحدث عن المسلم العادى الذى يريد فقط أن يستوعب القصة ويتعظ، دون شك فى منطقيتها واحترامها للعقل البشرى، حتى لو كانت حبكتها مثيرة للشجون كما فى القصة المزعومة للمرأة التى ملأت نصف الكرة الأرضية فعلا، بينما حقيقة أن سيدنا داوود عليه السلام لو أراد أن ينصف المرأة المظلومة لفعل مرتين: الأولى كنبى مرسل والثانية كملك مسؤول عن مصالح العباد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة