كما أشرت فى مقالى السابق فإن أخطر ما تواجهه جماعة الإخوان المسلمين هو إعادة تعريفها لنفسها، وكما أشرت أيضا فإن مؤسسها الأول رفض فكرة الثورة ولم يذكرها بخير أبدا، وذلك واضح فى رسائله. بعد 30 يونيو و3 يوليو وأحداث رابعة والنهضة التى استمرت ما يقارب على خمسين يوما، بدأت أصوات شبابية فى الظهور للحديث عن أن جماعة الإخوان هى جماعة تتبنى الثورة وأنها جزء من ثورة يناير 2011 التى أسقط فيها الشعب المصرى طاغوته وقال «ارفع راسك فوق أنت مصرى».
من المعلوم أن الجماعة تركت الميدان فى وقت مبكر ودخلت فى تحالف واضح مع المجلس العسكرى الذى كان يحكم فى ذلك الوقت ودخلت الانتخابات البرلمانية ومن بعدها الانتخابات الرئاسية بعد أن كانت قطعت على نفسها عهدا بعدم اقتحام مجاهلها.
فى رابعة كما أشرت من قبل- إلى أنها كانت أقرب لروح التضامن المعبر عن روح الأخوة للدفاع عن الرئيس المنتخب المسلم ولمحاولة استعادة أسس عودة الخلافة المنتظرة منذ سقطت عام 1924 رسميا، كانت رابعة تمثل ما يشبه عالم رمزى للحلم المفقود وهو حلم أن يكون للإخوة دولتهم النقية حتى لو كانت على مجرد ميدان فى أحد أحياء القاهرة، ومن على منصتها بثت الدعايات وألوان من الوعظ والاحتشاد والتهويمات والأحلام والإطلاقات المهدوية ذات الطابع الملحمى التى جعلت عودة الرئيس كما لو كانت عودة الإمام المنتظر الغائب فى الفكر الشيعى.
فى وسط هذه الأجواء الربعاوية المشبعة بالمشاعر والأحلام والطاقة الكبيرة التى لفت الحشود والجموع المتراصة ولعبت برءوس الواقفين على المنصة، حيث أصبحت المنصة أسيرة الحشود وأصبحت الحشود أسيرة ما تصورته قدرة جبارة يمكن أن تهد الجبال وتهز الدول وتقيم الخلافة والدولة الإسلامية، لأنه فى نظريات الحشد أنت لست وحدك!! أنت مع المجموع، وقوتك ليست مجرد إنسان واحد ولكنها قوة الجموع والحشود.
وحين تسطع الأفكار المهدوية فوق سماء رابعة التى ستصبح مقدسا ككربلاء بعد فى وجدان من حضروها فإن هذه القوة الجبار تغذيها عقيدة دينية متحدية، هنا فى هذا المكان والزمان بدأت الجماعة تحاول إعادة تعريف نفسها من جديد، نحن لسنا جماعة إصلاحية، نحن جماعة ثورية، نحن لا نرجو أن نصلح ما نعتبره أسبابا للضعف فى الدولة وبنيتها الفاسدة، بل نحن نريد تغيير الدولة كلها بالكامل، وهنا لا يجب أن ننسى أن كان فى رابعة مركز أركان الجماعة والمتحالفون معها، ومن ثم جرى تداول إعادة تعريف الجماعة لنفسها.
الثورة التى ستغير بشكل جذرى لا بد لها من قوة ولا بد لها من استخدام لتلك القوة فى تعبير عنف عبر طليعة مؤمنة منظمة، وهنا انفتحت الأفكار التى كانت غائمة واتضحت وظهرت تلك الأفكار لتنتقل من الغيم إلى الوضوح ومن الهامش إلى القلب والمركز، تلك هى الأفكار التى أهدرناها منذ وقت طويل ولم نعطها حقها، إنها أفكار سيد قطب الشهيد، وأفكار المعالم وخصائص التصور الإسلامى ومقومات التصور الإسلامى، وهنا وجدت الجماعة متحالفين معها ومتجاورين معها فى أرض رابعة يؤمنون بنفس الأفكار ولديهم هم أيضا أفكارهم عن دفع الصائل والطائفة الممتنعة وحتمية المواجهة، هذا التلاقح بين القطبية والسلفية جرى تداوله على أرض رابعة خاصة أن هناك مؤمنين بتلك الأفكار من سلفية القاهرة المتحالفين الأشداء مع جماعة الإخوان.
طبعا المشكلة هنا أن ما جرى تداوله من أفكار جديدة تعبئ وتحشد وتستعد للمواجهة بما فى ذلك استخدام العنف لتحقيق الثورة – كما أشرت من قبل، لم تجرؤ الجماعة أن تعلنها، كما لم تقدم الجماعة اجتهادات فكرية للتحول الذى يعيد تعريف الجماعة لنفسها من جديد، وهذا جعلها فريسة للطوفان السلفى الجهادى، وجعلها عاجزة عن تحقيق اجتهاد حقيقى لمواجهة تلك التحولات فى الأفكار والسلوك.
وكما أشير دائما لموقف المرشد الثانى فى السجون بكتابه القاطع « دعاة لا قضاة»، الذى قضى على فتنه التكفير، فإن الجماعة الآن أمام تحدى تقديم أطروحة وليس مجرد بيان لتحديد موقف الجماعة من العنف والثورة والدولة والمجتمع والتغيير، وهذا هو أخطر أوجه الصراع داخل الجماعة حتى الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة